الرئيسية / تركيا / على من انتصر أردوغان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية

على من انتصر أردوغان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 10-06-2023
  • 117
على من انتصر أردوغان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية
  • المصدر: الجزيرة

في كلمته التي ألقاها من مقر منزله الشخصي في حي أوسكودار بالجانب الآسيوي، مساء الأحد 28 مايو/أيار 2023، صرح الرئيس رجب طيب أردوغان، الفائز بمنصب الرئاسة، أن الذي انتصر هو الشعب التركي، وأنه يشكر كل من ساهم بالتصويت في هذه الانتخابات، وخص بالذكر الشباب والنساء وحملته الانتخابية، وأكد على ارتباطه بإسطنبول وجمهورها.

ولم تكن المعركة الانتخابية سهلة، بل كانت شرسة، حاولت أن ترسخ كل الدعاية السلبية ضد أردوغان وحزبه، وكان للآلة الإعلامية دور واضح وكبير، وبخاصة في عقلية ونفوس الشباب، من أجل الالتفاف حول إنجازات الرجل على مدار عقدين، في المجالات المختلفة، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.

وحاولت الآلة الإعلامية للمعارضة التركية، أو المختلفين معه من خارج تركيا، الالتفاف على تلك الانجازات، بمقولة "نريد التغيير ويكفي على أردوغان عقدين من تولي السلطة"، وفي الحقيقة نستطيع أن نقول إن أردوغان فاز على تلك الجهات التي تضم المعارضة التركية، وكارهيه في الخارج، ومن بينهم الآتي:

وكالة استطلاع الرأي

التي حرصت على تلوين نتائجها طوال فترة ما قبل 14 مايو/أيار 2023، في الجولة الانتخابية الأولى، لتظهر تقدم أحزاب المعارضة ومرشحها الرئيسي كمال كليجدار أوغلو، لتصدير حالة من اليأس، والحالة النفسية السلبية، لمؤيدي أردوغان وحزبه.

لقد خسرت هذه الوكالات مصداقيتها لدى رجل الشارع في تركيا، بعد نتائج الانتخابات التي خالفت توقعتها، وسيكون موقفها فيما بعد محل شك، بل قد يهملها الجميع، وألا ينظر إليها، لذلك أصيبت في مقتل بعد نتائج الجولة الأولى، واضطرت لمحاولة تعديل موقفها في استطلاعات المرحلة الثانية، والتي كانت تظهر تقدم أردوغان على منافسه، لكن بعد فوات الأوان.

وكالة التصنيف الائتماني

حرصت وكالة التصنيف الائتماني على تصدير المشكلات التي يمر بها الاقتصاد التركي، في ظل أجواء إقليمية وعالمية غير مواتية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وعادة ما تركز تقارير معنية بوضع المديونية الخارجية، التي يستحوذ القطاع الخاص منها على النصيب الأكبر، أو ارتفاع معدلات التضخم، التي أتت في أجواء دولية، شهدت ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية بشكل ملحوظ، كون تركيا تستورد ما يقترب من 90% من احتياجاتها من الطاقة.

الإعلام الغربي

لم يكن خفيًا تلك الحملة التي نظمها الإعلام الغربي ضد شخص أردوغان، مما جعل المراقب للأحداث لا يحتاج لدليل على التحيز السلبي تجاه أردوغان في هذه الانتخابات، ولعل نتائج المرحلة الأولى، والتقدم الذي أحرزه الرئيس أردوغان، جعل الإعلام الغربي يعاود تعديل خطابه السلبي تجاه أردوغان، وإن كانت السياسة التحريرية للمواد الإعلامية المنشورة، بالعديد من الوسائل الإعلامية الغربية، لم تخف رغبتها في خسارة أردوغان في الجولة الثانية، ولكن أتت نتيجة الجولة الثانية بفوز الرئيس أردوغان لتجعل مسؤولي هذا الإعلام يعيدون حساباتهم.

المال السياسي

لم يكن دور مجال المال السياسي ضد المشروع التركي رهن العمل في مجال الإعلام، عبر حملات علاقات عامة لتشويه أردوغان وحزبه فقط، أو في توظيف فضائيات تحمل المشكلات الاقتصادية في تركيا على غير قدرها، ولكن ثمة أمرين مهمين، يمكن أن نستنتجهما من خلال أداء المال السياسي، وبخاصة من قبل بعض وسائل الإعلام الكبرى، فليس ببعيد أن تكون مصادر المال السياسي المعادي لتركيا قد دفعت لتلك الوسائل لأداء هذا الدور، من هنا فإن فوز أردوغان يعد انتصارًا على المال السياسي في إطار الإعلام الغربي.

وأيضًا يُعد فوز أردوغان، في الانتخابات الرئاسية، انتصارًا على المال السياسي داخل تركيا، حيث لوحظ أداء غير طبيعي في هبوط سعر الليرة (العملة الوطنية) بما ينتج عنه ارتفاع معدلات التضخم، وتعظيم ظاهرة الدولرة، وهي كلها مسارات تؤدي إلى تذمر الناخب التركي.

ولذلك يتوقع أن تشهد البورصة التركية مع الوقت أداءً إيجابيًا، وكذلك من المتوقع أن تشهد الليرة بعض التحسن، أو على الأقل تتوقف مسيرة تراجعها أمام العملات الأجنبية.

ولم يكن خفيًا أن دولًا إقليمية ودولية كان لها دور في دعم من حاولوا القيام بالانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، وانتهزت هذه الدول الإقليمية والدولية الفرصة للإطاحة بأردوغان وحزبه في هذه الانتخابات، فكانت تدفع مالها السياسي بسخاء، لتحقيق أهدافها التي فشلت فيها جميعًا.

أردوغان أقوى من ذي قبل

نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لها دلالات إيجابية بالنسبة للرئيس أردوغان والتحالف الذي يقوده تحت اسم "تحالف الجمهور"، فمن خلال الوضع الجديد يستطيع أردوغان وتحالفه أن يقوما بتمرير سهل وسلس للتشريعات الاقتصادية في تركيا خلال الفترة القادمة، والتي من شأنها أن تسهل مجريات النشاط الاقتصادي، سواء بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، أو بالنسبة لتطوير الصناعة، أو العلاقات الاقتصادية الدولية.

ويستطيع أردوغان، بعد هذه النتائج، أن يستعيد الحالة النفسية الإيجابية لدى المعنيين بالشأن الاقتصادي في تركيا، أو لدى الأجانب المعنيين بالأوضاع الاقتصادية والاستثمار في تركيا.

فالجميع يعلم حجم التحديات التي واجهها أردوغان وحزبه على وجه التحديد في هذه المعركة الانتخابية، والتي كان يراها البعض نهاية لأردوغان وحزبه، فجاءت النتائج لتؤكد على فوز مريح في الجولة الثانية للرئاسة، وفوز بأغلبية أكثر أريحية بالنسبة لمقاعد البرلمان.

إن أهم نتائج فوز أردوغان وحزبه أنه سيمكنه بشكل أفضل من تنفيذ كافة وعوده الانتخابية، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، كما أنه سيصدر حالة إيجابية لدى المستثمرين والمدخرين، بأن البلاد ستعيش حالة من الاستقرار، وأن قيادتها قادرة على الإمساك بكافة الأوراق المعنية بالمجال الاقتصادي والمالي.

تحدي ما بعد الفوز

بموجب الدستور التركي، ستكون هذه الدورة هي الأخيرة للرئيس التركي، والتي ستستمر حتى عام 2028، ولا ينكر أحد أن شخصية أردوغان كان لها دور بالنجاحات التي تحققت على مدار أكثر من عقدين.

والمطلوب الآن من أردوغان وحزبه، بل وتحالف الجمهور، الذي يضم أحزابا أخرى، أن يعد من القيادات ما يلزم للحفاظ على هذه التجربة، ليس هذا فحسب، بل تطويرها واستمرار تقدم تركيا، وانتقالها على الصعيد الاقتصادي من دولة صاعدة إلى دولة متقدمة.

ونحسب أن 5 سنوات كافية لأن يتم إعداد القادة المطلوبين، وبخاصة من الشباب الذي تم توظيف رغباته بشكل كبير من قبل الآلة الإعلامية لأحزاب المعارضة، ضد الرئيس أردوغان وحزبه، خلال المعركة الانتخابية.

نعم الحزب ليس فارغًا أو خاويًا من الحضور الشبابي والنسائي، ولكن الأمر يحتاج قيادات شابة، يمكن اختبارها في انتخابات البلديات التي ستجرى عام 2024، وذكر بها الرئيس أردوغان اليوم في كلمته من شرفة منزله الخاص.

ختامًا: الانتصار السياسي للرئيس أردوغان وحزبه، في انتخابات مايو/أيار 2023، عكَس وجود قدرات ليس هينة أو بسيطة لدى أردوغان والقادة السياسيين المحطين به، فالمعركة دفعت بأردوغان أن يقدم جميع وزراء حكومته في الانتخابات البرلمانية باستثناء وزيرين.

ولكن الانتصار يدفع للمزيد من الحرص على ما تحقق من مكاسب، والعمل على زيادتها فضلًا عن استمرارها، ومن هنا سيظل أردوغان يواجه تحديات إلى أن يسلم السلطة بعد 5 سنوات، لمن يخلفه في رئاسة البلاد ورئاسة الحزب.