الاستثمارات الأجنبية هي أسرع الأوراق التي يمكن تفعيلها في إطار العلاقات الاقتصادية البينية، وبخاصة بعد ترسيخ اقتصاديات العولمة، وحرية تحرك الاستثمارات الأجنبية، وإن كانت العلاقات السياسية لازالت تمثل المحرك الأكبر لهذه الاستثمارات، وبخاصة من قبل الدول المصدر لرؤوس الأموال.
ففي الوقت الذي تمثل الاستثمارات الأجنبية ورقة ضغط لدى الحكومات في موازنة علاقاتها الخارجية، فإن هذه الاستثمارات –وإن كانت مملوكة للقطاع الخاص-تدفع الحكومات لممارسة ضغوط للحصول على أكبر قدر من المزايا، وكذلك السعي لضمان هذه الاستثمارات بعيدًا عن المخاطر السياسية.
وشهدت العلاقات التركية الخليجية أفضل حالاتها مع مطلع عام 2017، بسبب تراجع الموقف المصري من تأييد التوجه الخليجي تجاه بعض قضايا المنطقة، وبخاصة فيما يتعلق بالقضية السورية، وهو ما دفع الدول الخليجية لتحسين علاقاتها مع تركيا، وهو ما كانت تركيا تحرص عليه بعد مرورها بعدة مشكلات سياسية أثرت على أدائها الاقتصادي، وبخاصة مع تراجع قيمة العملة التركية، وكذلك تراجع قيمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد شهدت فترة المد بالعلاقات التركية الخليجية (السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات) بنهاية عام 2016 وبداية 2017، مجموعة من الاجتماعات على مستويات عالية للقيادة السياسية، وتم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات والبرتوكولات ومذكرات التفاهم، مما دعا أحد المسئولين الخليجيين للتصريح لوكالة “بلومبيرج” بأن الدول الخليجية عازمة على ضخ استثمارات بنحو 100 مليار دولار خلال الفترة القادمة.
ولكن مع بدء الأزمة الخليجية البينية، وبتحالف السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر بفرض حصار اقتصادي، لم ينحز الموقف التركي للتحالف الخليجي المصري، ولكن دعم موقف قطر، وقدم لها احتياجاتها من الغذاء، ووافق البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية لخارج البلاد، مما سمح للحكومة التركية، بإرسال جنود ومعدات عسكرية لقطر، مع مساعي دبلوماسية من قبل تركيا لإنهاء الخلاف الخليجي، حيث بعثت تركيا بوزير خارجيتها في جولة خليجية، واستقبلت تركيا بعض المسئولين الخليجيين، للوصول لحل للأزمة الخليجية قبل نهاية شهر رمضان.
وبرزت بعض الكتابات والآراء، بدعوة الدول الخليجية بسحب استثماراتها من تركيا، أو وقف ضخ استثمارات جديدة لتركيا، كنوع من العقاب على موقفها المساند لقطر. ولا تعد هذه هي المرة الأولى لاستخدام ورقة الاستثمارات الأجنبية الخليجية أو علاقاتها التجارية ضد تركيا، فقد سبق أن مورست هذه السياسة الخليجية ضد تركيا بعد الانقلاب العسكري بمصر في يوليو 2013، حيث اعترضت تركيا على ذلك الأمر، واعتبرته اعتداء على الديمقراطية بمصر، بينما أيدت دول خليجية (السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين) الانقلاب العسكري ودعمته ماديًا –ولا زالت تدعمه-بمليارات الدولارات.
وفي ضوء ضبابية الموقف بشأن مستقبل الأزمة الخليجية، فإننا إزاء سيناريوهين، بأن تنجح المساعي التركية الدبلوماسية، وتنتهي الأزمة الخليجية، ولكن لن تنسى الدول الخليجية الدور التركي الذي دعم الجانب القطري، وبخاصة أن التصورات الخليجية لإدارة العلاقات الإقليمية والدولية تفتقد للمؤسسية، وتسيرها رؤى أشخاص، مما يفقدها للتقويم الصحيح. أو يحل السيناريو التشاؤمي وهو تصاعد حدة الأزمة وتطورها لما بعد الحصار الاقتصادي. وهنا يُجزم بأن العلاقات الاقتصادية والتجارية لدول الخليج مع تركيا سوف تشهد المزيد من التراجع.
ونظرًا لأن الاستثمارات الأجنبية من أسرع الأوراق التي يمكن تفعيلها إيجابًا وسلبًا في العلاقات البينية للدول، تتناول هذه السطور، الاستثمارات الخليجية بتركيا، من حيث الدور والأثر، في ضوء تطور العلاقات الإقليمية الحالية.
وحسب بيانات تقرير الاستثمار العالمي لعام 2017، فإن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم بلغت 1.74 تريليون دولار بنهاية عام 2016، بانخفاض طفيف عن معدلات عام 2015 والتي بلغت 1.77 تريليون دولار، ويعود هذا الانخفاض لعدم تعافي معدل النمو الاقتصادي العالمي بالنسبة المرجوة، إذ قدر البنك الدولي معدلات نمو الاقتصاد العالمي 2.3% في عام 2016. إلا أن معدلات أداء تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالمي في عامي 2015 و2016 هي الأفضل بين سنوات الفترة من 2012 – 2016، ويظهر هذا من خلال الرسم البياني التالي:
تعد تجربة تركيا في التنمية أحد النماذج التي يستدل بها ضمن التجارب الناجحة للدول الصاعدة، ويلاحظ أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد أدت دورًا ملموسًا في التجربة التركية، وهو ما تظهره البيانات التركية، وكذلك بيانات تقرير منظمة “الأونكتاد” عن الاستثمار الأجنبي المباشر.
حيث تظهر البيانات أن مساهمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2012 – 2016 تراوحت ما بين 21.9% كأفضل معدل أداء في عام 2012، و15.5% كأقل أداء في عام 2016. ويعود هذا التراجع في أداء الاستثمارات الأجنبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بتركيا إلى ما شهده عام 2016 من محاولة انقلاب عسكري فاشل، وتراجع قيمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتركيا عام 2016 إلى 12.3 مليار دولار مقارنة بـ 17.6 مليار دولار في عام 2015.
الاستثمار الأجنبي المباشر بتركيا خلال الفترة 2012-2016 القيمة بالمليار دولار
المصدر: تم تجميع البيانات وحساب النسب بواسطة الكاتب من خلال تقرير الاستثمار العالمي 2017.
تعكس البيانات المذكورة بالجدول عالية تفاعل تركيا مع الاقتصاد العالمي، ففي الوقت الذي تستقبل فيه الاستثمارات الأجنبية، تصدر أيضًا تلك الاستثمارات، وإن كانت النتيجة النهائية، هي صاف استثمارات لصالح تركيا، يبلغ في المتوسط سنويًا خلال الفترة التي تضمنها الجدول 9.4 مليار دولار.
وتتنوع مجالات استيعاب الاستثمارات الأجنبية بتركيا، وفي مقدمتها نشاطات قطاع الصناعة، والخدمات المالية والـتأمين، والعقارات، وإن كانت الاستثمارات في العقارات تعد محدودة مقارنة بقطاع الصناعة مثلًا أو الاستثمارات الموجه للمصارف أو الخدمات المالية والتأمينية. ويعد ذلك أحد جوانب قوة أداء الاستثمارات الأجنبية في تركيا، حيث إنها تسهم في تحسين أداء الناتج المحلي الإجمالي، وتساعد على خلق فرص عمل جديدة ومستدامة.
وفي ضوء أداء الاقتصاد التركي خلال 2017، ونجاح تركيا في طي صفحة محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، وكذلك تجاوز قضية التعديل الدستوري والانتقال للنظام الرئاسي، يتوقع أن تزيد معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا خلال الفترة القادمة، لأن أسباب التوتر السياسي التي خيمت على تركيا منذ عام 2016، قد انتهت.
قبل تناول الجانب الرقمي الخاص بأداء الاستثمارات الخليجية المباشرة في تركيا، نشير إلى مجموعة من الدوافع التي قد تحفز الدول الخليجية على وقف ضخ استثماراتها لتركيا، وكذلك بعض الموانع التي تحول دون سحب الاستثمارات الخليجية القائمة.
(أ) على صعيد الدوافع لوقف ضخ استثمارات خليجية جديدة لتركيا ما يلي:
منذ انتهاء زيارة ترامب للسعودية ودول خليجية أخرى في مايو 2017، تم الحديث عن إلغاء صفقة تسليح تركية للسعودية تقدر بنحو 2 مليار دولار، بعد أن تضمنت الاتفاقيات الموقعة مع ترامب بالرياض على صفقات تسليح تقدر بنحو 103 مليار دولار. وإن كان بعض المسئولين الأتراك قد نفى وجود إشارات سعودية بإلغاء صفقة التسليح التركية للسعودية.
وبقراءة الأمر في ضوء التطورات الحالية بمنطقة الخليج، نجد أن الأمر يحظى بترتيب ما حدث في أزمة قطر بعد نتائج زيارة ترامب، وبالتالي لا مانع من أن نتوقع بأن السعودية مقبلة على إعادة ترتيب أوراق علاقاتها بالمنطقة ومن بينها العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا، وبخاصة بعد ما شهدته السعودية فجر الأربعاء 21 يونيو 2017، من تصعيد محمد بن سلمان وليًا للعهد، وإزاحة محمد بن نايف من حقه في تولى السلطة بعد الملك سلمان.
الدافع الثاني والذي ستعول عليه السعودية بشكل كبير هو أن ثمة تنسيق سريع وقع بين تركيا وإيران فيما يخص الأزمة الخليجية مع قطر، وأن موقف البلدين مساند للموقف القطري، وسعيهما لإفشال الحصار الاقتصادي، من تقديم الغذاء وباقي السلع الصناعية الأخرى، بل وتسخير موانئ إيرانية لخدمة قطر، وكذلك الدفع بالقوات العسكرية التركية للأراضي القطرية.
(ب) أما من حيث الموانع لسحب الاستثمارات الخليجية من تركيا، أو الاستمرار في تدفق تلك الاستثمارات لتركيا، فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
أن السعودية على وجه التحديد شرعت في الدخول في استثمارات زراعية وأخرى تخص تطوير تكنولوجيا التسليح مع تركيا، ونظرًا لأن السعودية تعاني من عدم قابلية أراضيها الصحراوية للإنتاج الزراعي بسبب شح المياه، فإن تركيا ستكون وجهة مفضلة للاستثمارات السعودية، وبخاصة من قبل شركات القطاع الخاص. وقد يكون بوسع السعودية أن تستبدل دول زراعية أخرى بتركيا، بحيث تتوافق معها سياسيًا، إلا أن هذا السيناريو يضيق من فرص تعدد المصادر للسعودية ويضعها تحت ضغوط الدول الأخرى، وبخاصة أن سعي تركيا للتعاون مع دول الخليج يأتي في إطار زيادة معدلات التعاون بين الدول الإسلامية. والجدير بالذكر أن تركيا كانت تستهدف أن تصل الاستثمارات السعودية بها إلى 25 مليار دولار في عام 2023.
أما على صعيد الاستثمارات العسكرية، فتركيا تقدم للسعودية ميزة لم توفرها لها دول أخرى، وهي أن جزء من هذه الاستثمارات موجه لتطوير تكنولوجيا إنتاج المعدات العسكرية، وليس فقط إنتاج المعدات ذاتها، أي أن تركيا ستنقل للسعودية تكنولوجيا إنتاج السلاح، وهي ميزة لم تحصل عليها السعودية من قبل، حيث اعتادت السعودية على استيراد
السلاح من الغرب وأمريكا ودول أخرى دون الحصول على تكنولوجيا إنتاجه، مما جعلها ضمن الدول النامية فريسة لاستيراد التكنولوجيا وقطاع الغيار للأسلحة المشتراة.
أيضًا تخشى الدول الخليجية التي تحاصر قطر من أن دخولها في مجال منع تدفق الاستثمارات المباشرة لتركيا أو سحب القائم منها أن تدفع بتركيا لمزيد من التعاون الاقتصادي وغير الاقتصادي مع إيران، التي تمثل الخطر الأكبر على النظام السعودي بشكل خاص، ومنطقة الخليج بشكل عام. وهذا التخوف له مبرراته فإيران لا تعاني من سوء العلاقات الإقليمية كما هو وضع دول الخليج المتورطة في أكثر من ملف، كما أن رفع العقوبات الاقتصادية عنها منذ يناير 2017 بشكل مرحلي، سوف يتيح لها إمكانيات اقتصادية أكبر، تساعدها في احتواء أو تضخيم علاقاتها الاقتصادية مع تركيا، فضلًا عن أن إيران تمد تركيا بنصيب وافر من الغاز الطبيعي، وتتمتع بجوار جغرافي مشترك، من السهل أن تزود من خلاله تركيا بشحنات أكبر من النفط. ويجب ألا ننسى أن كل من تركيا وإيران قوتين إقليميتين يمثلان متغيرات مهمة في المعادلة الإقليمية بشكل عام.
الاستثمارات الخليجية بتركيا خلال الفترة 2012 – 2016 القيمة بالمليون دولار
المصدر: تم جمع البيانات وحسب النسب بواسطة الكاتب من خلال البيانات المنشورة على موقع هيئة دعم الاستثمار التركية.
يلاحظ على البيانات المذكورة عالية، أن الاستثمارات الخليجية المباشرة في تركيا تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية، على مستوى التدفق السنوي، فبعد أن كانت بحدود 940 مليون دولار في عام 2012 هبطت لقرابة النصف في عام 2016 لتبلغ 446 مليون دولار، ولا شك أن توتر العلاقات السياسية بين تركيا ودول الخليج أثر في تراجع الاستثمارات، في ضوء موقف الطرفين من ثورات دول الربيع العربي، وبخاصة وضع الانقلاب العسكري في مصر، وإن كانت الدول الخليجية تركز في إدارة استثماراتها الخارجية بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط، في أوروبا وأمريكا ودول آسيا.
صاحب تراجع قيمة الاستثمارات الخليجية في تركيا، تراجع مساهمتها كنسبة في إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتركيا، فمتوسط مساهمة الاستثمارات الخليجية السنوي في إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية بتركيا خلال الفترة، بحدود 4.4%، مع ملاحظة أن الأهمية النسبية لمساهمة الاستثمارات الخليجية في تركيا متراجعة على مدار السنوات الخمس الماضية.
وبالرجوع لخريطة التوزيعات الخاصة بالاستثمارات الأجنبية في تركيا من حيث مصادر تدفقاتها، نجد أن دول الخليج تأتي في مرتبه متأخرة بعد كل من أوروبا بحجم استثمارات 4.3 مليار دولار، وآسيا 2 مليار دولار، وأمريكا 458 مليون دولار، ولا تتقدم دول الخليج أحد في هذا المؤشر سوى الدول الأفريقية، وذلك وفق بيانات عام 2016.
تظهر بيانات معهد الإحصاء التركي لعامي 2015 و2016 والشهور الأولى من عام 2017، أن مشتريات دول الخليج من الوحدات السكانية بتركيا تبلغ نسبة 21% في المتوسط سنويًا، وهي بلا شك نسبة مؤثرة، وبخاصة أن قطاع العقارات من القطاعات النشطة، والتي تشهد ازدهارًا بين باقي القطاعات الاقتصادية. ولكن مبعث إقبال مواطني الخليج على شراء الوحدات السكانية في تركيا وغيرها من الدول الأخرى، مجموعة من العوامل، من بينها تجارة العقارات، حيث أن مجال المضاربة في العقارات من الأنشطة ذات العوائد السريعة للأرباح ولدوران رؤوس الأموال، وهو ما يتناسب مع الطبيعة التجارية لمستثمري الخليج. والأمر الثاني هو حالة عدم الاستقرار التي يشعر بها مواطني الخليج منذ أزمة الخليج الثانية عام 1990، ولذلك فالعديد من مواطني الخليج يأمنون لأنفسهم سكنًا خارج دولهم.
مشتريات دول الخليج العقارية خلال الفترة 2015 – 2017 (مليون دولار)
المصدر: معهد الإحصاء التركي.
ويلاحظ أن الإحصاءات لمشتريات الخليجيين من العقارات التركية تشمل ثلاث دول فقط، في حين أن الإمارات كان لها حصص معتبرة من شراء العقارات قبل تدهور علاقاتها بتركيا. وفي حالة استمرار التصعيد السلبي للعلاقات بين تركيا ودول الخليج (السعودية والإمارات) فمن المتوقع أن يتأثر قطاع العقارات سلبيًا بحصة المبيعات التي يستحوذ عليها المواطنون السعوديون، والملاحظ أنهم أكثر الدول الخليجية إقبالًا على شراء العقارات بتركيا.
عند تقويم أي متغير في العلاقات الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وما يتضمن علاقات تركيا بدول الخليج بشكل خاص، لابد أن يؤخذ المناخ العام المحيط بالمنطقة في الاعتبار، وللأسف فإن هذا المناخ غير واضح المعالم، فثمة توقعات بمسار “الشرق الأوسط الجديد” الذي بشر به مؤتمر مدريد للسلام في عام 1990، والذي كان يستهدف إدماج الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا في المنطقة.
وإذا كانت تركيا تمتلك علاقات اقتصادية وتجارية مع دولة الكيان الصهيوني، فالجديد هو العلاقات الاقتصادية والتجارية العلانية لدول خليجية مع الكيان الصهيوني، وقد يكون ذلك خصمًا من تدفق الاستثمارات الخليجية لتركيا.
ومن خلال ما ذكرناه من بيانات عن طبيعة الاستثمارات الخليجية في تركيا من حيث قيمتها وتطورها على مدار السنوات الخمس الماضية، أو ما كانت تطمح إليه تركيا خلال الفترة القادمة، نلاحظ أنها قليلة الأثر، فهي بحدود 5% من إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية لتركيا، ولكن تركيا تحتاج إليها للاعتبارات الإضافية التي تمر بها منذ الأزمة السورية واستقبالها لنحو 3 مليون لاجئ، أو في ظل توتر علاقات تركيا ببعض الدول الأوروبية مع تداعيات ما بعد الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016، أو أزمة التعديلات الدستورية.
فلا نستطيع القول بأن منع الاستثمارات الخليجية عن تركيا يؤثر في مقدراتها الاقتصادية، أو يصنع أزمة، ولكنه لا يتوافق وإستراتيجية تركيا القاضية بالتوسع شرقًا، وتحقيق مستهدفات تركيا في عام 2023، والتي من بينها زيادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الخليج لضعف ما هي عليه الآن. مع الأخذ في الاعتبار أن تركيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع باقي الدول الخليجية الأخرى (قطر، والكويت، وسلطنة عمان) (1).