الرئيسية / تركيا / تداعيات أزمة الليرة التركية على تكلفة الطاقة

تداعيات أزمة الليرة التركية على تكلفة الطاقة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 20-09-2018
  • 100
تداعيات أزمة الليرة التركية على تكلفة الطاقة
  • المصدر: الجزيرة

تعيش تركيا أزمة حقيقية بسبب انخفاض قيمة عملتها المحلية أمام العملات الأجنبية منذ )حزيران / يونيو( 2018، وبصرف النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، سواء كانت أسبابًا سياسيةً أم اقتصاديةً، فسيكون لذلك أثر بلا شك على الجوانب المختلفة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة تلك المرتبطة بمؤشرات التضخم.

وحسب بيانات البنك المركزي التركي، بلغ سعر صرف الدولار في مطلع (كانون ثاني / يناير) 2018 نحو 3.76 ليرة، بينما في نهاية (آب / أغسطس) 2018 بلغ سعر صرف الدولار 6.54 ليرة[i]، أي أن الانخفاض في قيمة الليرة التركية خلال الفترة بلغ 2.7 ليرة أمام الدولار، وبنسبة تصل إلى73.9%.

وتأكيدًا على وجود تداعيات سلبية لانخفاض قيمة الليرة، فقد أشارت وكالة (رويترز) إلى قرار الحكومة التركية برفع أسعار الكهرباء مع أول (أيلول / سبتمبر) 2018، بحيث تزيد أسعار استهلاك الكهرباء بنسبة 14% للقطاع الصناعي، ونسبة 9% لاستهلاك المنازل[ii]. وتعد قضية الطاقة في تركيا من القضايا المهمة، والتي تُلقي بظلالها على الأداء الاقتصادي، ولعل أبرز هذه المؤشرات التكلفة التي يتكبدها الميزان التجاري السلعي لتركيا، فتكلفة استيراد الطاقة[iii] من أهم الأرقام وأعلاها في بند الواردات السلعية لتركيا.

تطور واردات تركيا من الطاقة

تكشف الأرقام الخاصة بواردات تركيا والمنشورة على معهد الإحصاء التركي، أن تركيا تتأثر بشكل كبير بتقلبات سعر النفط في السوق الدولية، وهو ما يمكن رصده من خلال قيمة الواردات خلال الفترة من 2010 – 2018، والتي يبينها الرسم البياني[iv]الآتي:

ويبين الرسم البياني عاليه أن عام 2012، كان الأعلى من حيث قيمة واردات تركيا من الوقود، بنحو 60.1 مليار دولار، ثم أخذت التكلفة في الانخفاض بعد عام 2012، مستفيدة من أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية التي بدأت مع منتصف عام 2014، إلا أنه وحسب هذا التقدير، فقد أخذت التكلفة في عام 2017 في الارتفاع بنحو 10 مليار دولار مقارنة بما كانت عليه في 2016.

وإذا نظرنا إلى تكلفة استيراد الوقود خلال فترة الشهور السبعة الأولى من عام 2018، نجد أنها بحدود 24.6 مليار دولار، وبمتوسط تكلفة شهري نحو3.51 مليار دولار، ويتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية بنهاية 2018 حسب متوسط التكلفة الشهور السبعة الأولى نحو 42.1 مليار دولار.

ولا تتحمل الحكومة التركية أعباء دعم للطاقة، فهي تتبع نظامًا مرنًا في تسعير الطاقة، وفق أسعارها بالسوق الدولية، إلا أن المتغير المحلي بشأن انخفاض قيمة العملة المحلية، هو العامل الجديد، والذي من شأنه أن يزيد من أعباء تكاليف الإنتاج في تركيا بشكل عام، وفي مجال الطاقة بشكل خاص، بسبب ارتفاع تكاليف الواردات، التي تدخل كمستلزمات إنتاج، أو تلك التي يتم استيرادها بهدف التصدير.

وللدلالة على صحة هذا الأمر، نجد أن الصادرات السلعية التركية قد تراجعت على أساس سنوي بنهاية (آب / أغسطس) 2018، حيث وصلت إلى 12.4 مليار دولار، منخفضة بنسبة قدرها 6.5% مقارنة بما كانت عليه في (آب / أغسطس) 2017. وذلك حسب بيانات مجلس المصدرين الأتراك، وكانت الصادرات السلعية التركية قد حققت رقمًا قياسيًا في (تموز / يوليو) 2018، حيث بلغت 14.1 مليار دولار[v].

إلا أن الأثر السلبي على أداء الصادرات السلعية لتركيا بنهاية (آب / أغسطس) 2017 على أساس سنوي، بلا شك ناتج عن ارتفاع تكلفة الواردات نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية، وليس لارتفاع فاتورة الطاقة، حيث سيبدأ التطبيق الفعلي للأسعار الجديدة المعلنة من قبل الحكومة التركية في أول (أيلول / سبتمبر) 2018، وسوف يظهر الأثر خلال الفترة القادمة، سواء على مستوى الأداء الشهري أو السنوي.

ومن شأن رفع أسعار الطاقة للقطاع الصناعي بنسبة 14% في تركيا بدءًا من (أيلول / سبتمبر) 2018 أن يؤثر سلبيًا على قيمة الصادرات السلعية خلال الفترة القادمة، لأن رفع سعر الطاقة للقطاع الصناعي، سوف يؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج، وبالتالي تفقد الصادرات التركية ميزتها النسبية في انخفاض سعرها، كما يؤدي ذلك أيضًا إلى عدم استفادة الصادرات التركية من انخفاض قيمة الليرة.

وطبيعة المتغيرات الاقتصادية الكلية أنها تؤثر في بعضها بعضًا، وسيكون التأثير السلبي لرفع سعر الطاقة على القطاع الصناعي، مردودًا سلبيًا في خفض معدلات الإنتاج، وكذلك تسريح جزء من العمالة، وهو ما يمكننا من القول باحتمالية دخول الاقتصاد التركي خلال الفترة القادمة في حالة من الركود، إلا إذا استطاع القطاع الصناعي أن يتماهى مع ارتفاع أسعار الطاقة والاستمرار في الأسواق الدولية بنفس الأسعار، دون أن يرفع أسعار منتجاته، وبلا شك سيكون ذلك خصمًا من معدلات أرباحه.

فهل سيعمل اتحاد المصدِّرين الأتراك بالتعاون مع الحكومة على الوصول لنتيجة إيجابية تتعلق بعدم تخفيض الصادرات السلعية، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة للقطاع الصناعي؟ الفترة القادمة ستظهر إمكانية تحقيق ذلك من عدمه، وللعمل على تحقيق ذلك ينبغي أن تقدم الحكومة التركية بعض الحوافز للمصدرين لتجاوز هذه العقبة.

والأمر الآخر الذي سيمثل عقبة أمام القطاع الصناعي التركي، أن رفع أسعار الطاقة، وما سينتج عنه من ارتفاع أسعار السلع التركية، قد يؤثر على تنافسية هذه السلع في السوق المحلية.

إنتاج الطاقة بتركيا

تعد تركيا من البلدان المستوردة للطاقة بنسبة كبيرة، وذلك حسب بيانات البنك الدولي، فالأرقام تشير إلى أن تركيا تستورد 75.2% من احتياجاتها للطاقة وفق بيانات 2015[vi]، والأمر يتعلق بافتقار تركيا في الوضع الحالي ومنذ سنوات لوجود مصادر داخل أراضيها للحصول على النفط والغاز الطبيعي.

ويلاحظ أن زيادة واردات تركيا من الطاقة مقارنة باحتياجاتها، يتعلق بأمرين، الأول: هو زيادة الطفرة التنموية التي شهدتها تركيا منذ عام 2003 وحتى الآن، مع تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة.

 ففي عام 2003 كانت تركيا تستورد نسبة 69.7% من احتياجاتها من الطاقة، ولكن مع التطور الذي قفز بالناتج المحلي الإجمالي من 311.8 مليار دولار في عام 2003 إلى851.1 مليار دولار في 2017[vii]، تطلب الأمر بلا شك زيادة الطلب على الطاقة، وبالتالي زيادة واردت تركيا من مكونات الوقود الأحفوري (النفط، والغاز الطبيعي، والفحم).

والعامل الثاني لزيادة واردات تركيا من النفط والغاز الطبيعي هو: زيادة عدد السكان خلال تلك الفترة، حيث بلغ عدد سكان تركيا في 2003 نحو 66 مليون نسمة، إلى 80.7 مليون نسمة[viii]، أي أن عدد السكان زاد خلال عامي المقارنة بنحو 14.7 مليون نسمة، وبنسبة قدرها 22.2%.

وتعتمد تركيا بشكل رئيس على الوقود الأحفوري لتوفير الطاقة، فحسب أرقام معهد الإحصاء التركي، يوفر الوقود الأحفوري لتركيا نسبة 66.7% من احتياجاتها من الطاقة، بينما توفر المصادر المائية نسبة 24.5، وتعتبر المصادر المتجددة للطاقة هي الأقل في توفير احتياجات تركيا من الطاقة، حيث تساهم بنسبة 8.6% فقط[ix].

وفي ضوء الصراع داخل منطقة الشرق الأوسط على منابع الغاز الطبيعي، تحركت قضية شديدة الخطورة، من شأنها أن تفجر النزاع بين مصر وقبرص وتركيا، بشأن المنطقة المتنازع عليها في البحر المتوسط، والتي توصلت مصر وقبرص بشأنها بالتوقيع على اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود، مكنت كل من مصر وقبرص بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في هذه المنطقة.

إلا أن تركيا اعترضت على التوجهات القبرصية بالسماح لشركة ايني الإيطالية بالعمل على استكشاف والتنقيب في المنطقة المشتركة مع تركيا، وأعلنت تركيا بأن هذه المنطقة لم يتم التوصل بشأنها على ترسيم الحدود، ومنعت السفينة التابعة للشركة الإيطالية من ممارسة عملها[x]، ومن شأن التوصل إلى اتفاق بين تركيا ومصر وقبرص حول هذه المنطقة، أن يتيح لتركيا حصة تساعدها بشكل أفضل على تراجع وارداتها من النفط والغاز الطبيعي.

تخفيف حدة الأزمة

تعتمد تركيا بشكل كبير على واردتها من النفط والغاز الطبيعي من روسيا وإيران، وكلا الدولتان تواجهان عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الحكومة التركية أعلنت من قبل بأنها غير ملتزمة بالعقوبات الأمريكية على إيران، لأنها أحادية الجانب وغير صادرة من الأمم المتحدة[xi]، وأن بينها وبين إيران عقود لتوريد النفط والغاز الطبيعي حتى عام 2026.

فحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، يشكل الغاز الطبيعي المستورد من روسيا نحو 50% من احتياجات تركيا من الغاز، وكذلك يشكل النفط الروسي الذي تستورده تركيا نسبة 12% من واردات تركيا النفطية. أما عن العلاقات النفطية لتركيا مع إيران، فالنفط الإيراني يمثل 44% من النفط المستورد بتركيا، كما أن واردات الغاز الإيراني تمثل 19% من واردات تركيا من الغاز الطبيعي[xii].

وفي إطار ما أعلن من قبل الرئيس التركي رجب الطيب أردوجان عن إمكانية البحث في توسيط العملات المحلية في تسويات التجارة الخارجية مع روسيا وإيران، قد يكون ذلك عاملًا مهمًا في تخفيض حدة الطلب على الدولار، وبالتالي العمل على التأثير السلبي لانخفاض قيمة العملة التركية على تكلفة الطاقة الخاصة بالقطاع الصناعي.

وثمة عامل مهم آخر، يتعلق بالعوامل الخارجية، وهو السيناريو المتوقع لزيادة حدة الحرب التجارية، في ضوء التصعيد من قبل أمريكا والصين، وتبادل فرض الرسوم الجمركية، فثمة توقعات بأن هذا الأمر من شأنه أن يحد من نمو الاقتصاد العالمي، والتوجه نحو حالة من الركود، ينبني عليها تراجع الطلب على النفط، وبالتالي انخفاض أسعاره.

وفي حالة تحقيق هذا السيناريو، فإنه يحمل أمرين للاقتصاد التركي، الأول إيجابي ويتعلق بخفض تكلفة فاتورة الطاقة، والتي تساعد الحكومة التركية على تخفيض تكلفة الطاقة في السوق المحلي، وتلاشي الأثر السلبي لانخفاض قيمة العملة، والأمر الثاني سلبي ويتعلق بأن دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، من شأنه أن يؤثر سلبيًا بتراجع الصادرات السلعية التركية