الرئيسية / تركيا / المعادلة الصعبة أمام المركزي التركي

المعادلة الصعبة أمام المركزي التركي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-01-2019
  • 99
المعادلة الصعبة أمام المركزي التركي
  • المصدر: الجزيرة مباشر

كان منتظرًا أن يتجه المركزي التركي لخفض سعر الفائدة، بعد أن انخفض معدل التضخم بنحو 5 نقاط، ولكن لم يفعل المركزي ذلك، بسبب مخاوف أن يتجه المستثمرون والمدخرون للدولار

 

 

شهد الاقتصاد التركي على مدار الأشهر الماضية تحسنًا ملحوظًا في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، كان آخرها، تراجع معدل التضخم بنهاية شهر ديسمبر 2018 عند 20.3%، مقارنة بأعلى معدل للتضخم عن 25.2% بنهاية أكتوبر 2018، ومن المتوقع أن يشهد التضخم في تركيا تراجعًا خلال الفترة القادمة، بسبب ما اتخذته الحكومة التركية من إجراءات تخفيض أسعار الغاز والكهرباء بنحو 10% لكل من استهلاك المنازل والمصانع.

وقد أتى تخفيض الحكومة لأسعار الوقود من خلال هبوط أسعار النفط في السوق العالمية، منذ نوفمبر 2018، ليبلغ نحو 52 دولار للبرميل، بعد أن كاد أن يلامس سقف 80 دولار للبرميل في نهاية أكتوبر 2018.

المعضلة

ويقوي اتجاه الحكومة لمواجهة التضخم الذي لا يزال عند معدلات مرتفعة، على الرغم من انخفاضه بنحو 5 نقاط خلال 3 أشهر، قرار الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور مع بداية عام 2019 بنسبة 26%، وهو ما يعني وجود زيادة حقيقية في دخول الأفراد، لأن معدل الزيادة في الأجور أعلى من معدل التضخم، بنحو 6 نقاط.

ولكن المعضلة هنا تأتي من التحدي الذي يواجهه البنك المركزي التركي، فحينما ارتفع معدل التضخم إلى 24%، اتخذ المركزي التركي قراره برفع سعر الفائدة من 17.75% في سبتمبر 2018 إلى 24%، ولا يزال سعر الفائدة منذ ذلك التاريخ عند 24%، بما يحمله ذلك من تحديات رفع تكاليف الإنتاج، التي تقلل من منافسة المنتج التركي في السوقين المحلية والدولية، وكذلك رفع تكلفة التمويل التي تحد من رفع معدلات الاستثمار.

وكان إجراء رفع سعر الفائدة من قبل المركزي التركي، قرارًا اضطراريًا، بسبب انخفاض سعر الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وكان قرار سعر الفائدة بهدف الحد من ارتفاع الدولار، والبعد عن نشاط المضاربات، وتقديم سعر فائدة يشجع على الإدخار، ويحد من ارتفاع معدلات التضخم من خلال سحب النقود من السوق.

وبالتالي كان منتظرًا أن يتجه المركزي التركي لخفض سعر الفائدة، بعد أن انخفض معدل التضخم بنحو 5 نقاط، ولكن لم يفعل المركزي ذلك، بسبب مخاوف أن يتجه المستثمرون والمدخرون مرة أخرى للدولرة، ولا يزال موقف الليرة يحتاج لدعم أكثر، على الرغم من تحسنها بشكل ملحوظ أمام العملات الأجنبية، منذ أكتوبر 2018.

وقد بلغ سعر الدولار الأمريكي نحو 5.25 ليرة، وكانت هناك توقعات بأن يقترب سعر الدولار بشكل أكبر من 5 ليرات فقط، ولكن انخفاض معدل التضخم، جعل المستثمرين يتوقعون أن يقوم المركزي بخفض سعر الفائدة، فاتجه البعض لشراء الدولار كوعاء للادخار، مما أدى إلى رفع سعر الدولار لأكثر من 5.30 ليرة.

وقد واكب الأوضاع الاقتصادية التركية الخاصة بالعلاقة بين معدل التضخم وسعر الفائدة التي أشرنا إليها، أن ارتفع سعر الدولار أمام جميع العملات للدول الأخرى مطلع عام 2019، وصاحب ذلك مؤخرًا توتر العلاقات التركية الأمريكية بسبب الأوضاع في سورية، ورفض الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان استقبال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون يوم 8 يناير 2019، مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة ليصل إلى أكثر من 5.45 ليرة.

مستهدفات ضرورية

لابد أن يجني الاقتصاد التركي ثمار انخفاض معدل التضخم، ومن أبرز تلك الثمار انخفاض سعر الفائدة، فانخفاض سعر الفائدة يعني انخفاض تكلفة الإنتاج، وبالتالي انخفاض سعر السلع والخدمات، وهو ما يعني زيادة الصادرات، والتي تفوقت فيها تركيا خلال 2018، وبخاصة بعد أزمة خفض قيمة الليرة التركية، فتصريحات روهصار بكجان وزيرة التجارة التركية تفيد بأن الصادرات التركية بلغت 168 مليار دولار بنهاية 2018، مقارنة 157 مليارا بنهاية 2017، أي أن هناك زيادة تصل إلى 11 مليار دولار بين عامي المقارنة، وبنسبة تصل إلى 7%.

وإذا ما انخفض سعر الفائدة، فسيكون إضافة لقدرات تركيا الإنتاجية، التي أثبتت كفاءتها واستفادتها بشكل كبير من انخفاض سعر الليرة. وقد يتجه المركزي التركي فيما يخص خفض سعر الفائدة، إلى أن يكون ذلك بشكل تدريجي وغير مخوف للمستثمرين، بحيث لا يزيد التخفيض في كل مرة عن 1%، على عكس ما اتخذه في رفع سعر الفائدة في سبتمبر 2018، والذي قفز من 17.75% إلى 24% مرة واحدة.

فالانخفاض التدريجي لسعر الفائدة يتيح معالجة هادئة لا تؤثر على سعر الصرف، وبخاصة أن الأجواء السياسية غير مواتية، فيما يتعلق بالعلاقات التركية الأمريكية في إطار ملف انسحاب أمريكا من شمال سورية، وترتيبات العملية العسكرية التي أعدت لها تركيا منذ فترة، لمواجهة الجماعات الكردية هناك.

بلا شك أن ما مرت به تركيا خلال النصف الثاني من عام 2018 من مشكلات اقتصادية، كان كفيلًا بعرقلة تركيا وهدم تجربتها الديمقراطية والتنموية، ولكن أتت المعالجات الاقتصادية من قبل الحكومة لتثبت جدارة الإدارة الاقتصادية هناك، وإن كان ذلك بتكاليف ليست سهلة ولا بسيطة. وينتظر من صانع السياسة الاقتصادية في تركيا أن يتفادى هذا التحدي المتمثل في العلاقة الخاصة بانخفاض سعر التضخم، واستمرار سعر الفائدة مرتفعًا.