تبنت تركيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة في عام 2003، استراتيجية إنهاء كافة مشكلاتها مع جيرانها، أو ما اصطلح عليه إعلاميًا “صفر مشاكل”، ولذلك توسعت في تعاملاتها التجارية والاقتصادية مع دول الجوار، التي تضم مجموعة من الدول العربية والأوروبية (اليونان، بولغاريا، جورجيا، أرمينيا، اذربيجان، سورية، العراق، إيران).
وتأتي أهمية تناول علاقات تركيا مع دول الجوار تجاريًا واقتصاديًا، في ظل العلاقات المتوترة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في يوليو 2016، وزادت حدة التوترات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية (ألمانيا وهولندا) بعد قرار تركيا بإجراء تعديلات دستورية، تنتقل بتركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
ويعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاقتصادي الأول مع تركيا، منذ سنوات، وبخاصة ألمانيا التي تعد من أكبر الدول على مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا، ويقيم بألمانيا جالية تركية هي الأكبر بين الجاليات الأجنبية في ألمانيا.
والمتابع للشأن التركي، يجد أن تركيا تبنت سياسة خارجية تحاول التخلص من إشكالية تركيز علاقاتها التجارية والاقتصادية، لذلك اتخذت تركيا خطوات كبيرة في إطار ما يعرف بـ “الاتجاه شرقًا” كما أن تركيا اتخذت توجهًا لم يُفعل بشكل كبير عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، تبلور في استعدادها في توسيط العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية، للخروج من أزمة الدولار، الذي انهار بشكل كبير في ذلك الوقت.
وستظل دول الجوار مجال عمل السياسة التركية بشكل كبير، وبخاصة أن هناك تهديدات تاريخية تأتي من دول الجوار، وكذلك ما تشهده المنطقة من قضايا ومشكلات تمثل حجر عثرة في وجه المشروع التركي، الذي أصبح واحدًا من المشروعات الإقليمية التي تصارع في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن القول بأن تركيا قد تجاوزت دور الدولة الإقليمية، إلى مرحلة أكبر تسعى فيها تركيا لكونها مشروعًا إقليميًا، من خلال توسعها عربيًا وافريقيا، وكذلك آسيويًا.
وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن سعى حزب العدالة والتنمية إلى تنشيط علاقاته مع دول الجوار، وعقد العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، وأنشأ كيانات مشتركة تنظم العلاقة بين تركيا وتلك الدول، يبرز فيها تمثيل سياسي ودبلوماسي على درجة عالية، تشمل رؤساء وزراء الدول، وكذلك حضور قوي لرجال الأعمال.
وفيما يلي نتناول أهم المحاور لعلاقات تركيا مع دول الجوار في العلاقات التجارية والاقتصادية، لعام 2016، من خلال التبادل التجاري، والاستثمارات الأجنبية، وحركة السياحة.
ثمة مجموعة من المؤشرات الكلية، يمكن من خلالها التعرف على الأداء الاقتصادي لتركيا ودول جوارها، ومن خلال هذه المؤشرات يمكن الوقوف على الفوارق بين دول المجموعة، وامكانية التكامل أو التنافس فيما بينها.
جدول 1: بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية لتركيا ودول الجوار عام 2015
*بيانات تخص عام 2014.
المصدر : تم تجميع بيانات الجدول بواسطة الباحث من خلال قاعدة بيانات البنك الدولي.
من خلال المؤشرات الاقتصادية الكلية المذكورة بالجدول عاليه، نجد أن:
1ـ تتفوق تركيا اقتصاديًا على باقي دول الجوار، ويليها في المرتبة الثانية إيران، فنجد مثلًا الناتج المحلي الإجمالي لتركيا يصل إلى 77.2% من إجمالي دول الجوار الثمانية. وثمة فارق ليس بالهين عند مقارنة الناتج المحلي لكل من تركيا وإيران، حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي لتركيا إلى نسبة 160% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران. مع الأخذ في الاعتبار أن هيكل الناتج التركي يخلو من مساهمات ريعية كالنفط، كما هو الحال في إيران.
2ـ أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا يعد الأكبر بين دول المجموعة خلال عام 2015، باستثناء إيران، التي يزيد معدل نمو ناتجها المحلي عن تركيا بنحو 0.3%.
3ـ تأتي تركيا في المرتبة التانية من حيث عدد السكان بين دول الجوار، وتتقدم عليها إيران بنحو نصف مليون نسمة، وتحتل العراق المرتبة الثالثة وفق هذا المؤشر، بينما تظل أعداد سكان باقي دول الجوار كأعداد محدودة مقارنة بعدد سكان تركيا.
4ـ تمتلك تركيا احتياطي من النقد الأجنبي قدر بـ 110 مليار دولار في عام 2015، وهو يفوق إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لدول الجوار (باستثناء إيران، حيث لم تتوفر بيانات عنها) الذي يبلغ 93.7 مليار دولار.
5ـ في باقي المؤشرات الاقتصادية المذكورة تظهر تركيا كأفضل دولة، باستثناء مؤشر الديون الخارجية، حيث يزيد مقدار الدين الخارجي لتركيا عن مجموع الديون الخارجية لدول المجموعة، وكذلك معدل البطالة لدى تركيا مرتفع، حيث يصل إلى 9.2%. وإن كان بين دول المجموعة من لديه معدلات بطالة أكبر من ذلك، ولكن يظل معدل البطالة في تركيا يمثل أحد المعالم السلبية، مع الأخذ في الاعتبار استضافة تركيا للمهاجرين العرب، الذي نزحوا إليها عقب فشل ثورات الربيع العربي، حيث سمحت تركيا لهؤلاء المهاجرين بالعمل داخل أراضيها وبخاصة المهاجرين السوريين، الذي يمثلون المكون الأكبر للمهاجرين العرب بنحو 3 ملايين مهاجر، وبلا شك أن مزاحمة هؤلاء المهاجرين للأتراك في سوق العمل، يعد احد أسباب زيادة معدلات البطالة بتركيا.
6ـ حجم التجارة الخارجية لتركيا يبلغ 350.7 مليار دولار، لتحتل المرتبة الأولى بين دول المجموعة، وتأتي بعدها إيران بنحو 105.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن حجم التجارة الخارجية لتركيا يصل إلى ثلاث أضعاف حجم التجارة الخارجية لإيران.
نتناول في هذا المحور ملامح العلاقات الاقتصادية لتركيا مع دول الجوار، من خلال المعلن من اتفاقيات اقتصادية، أو مستهدفات تتعلق بالعمل التجاري، أو وجود مصالح اقتصادية مشتركة، وذلك من خلال الإشارة إلى حالة كل دولة على حدة.
1ـ اليونان:
ينظم العلاقات الاقتصادية لتركيا مع اليونان، فعالية عالية المستوى على صعيد رؤساء وزراء البلدين، وكان آخر اجتماع عقد في هذا الإطار في مارس 2016، ومنذ تنظيم هذا الاجتماع الذي يعقد سنويًا بشكل شبه دوري، تم توقيع 54 اتفاقية، وبروتوكول، ومذكرة تفاهم بين البلدين. ويستهدف البلدان أن يصل حجم التبادل التجاري بينهما لنحو 10 مليارات دولار، في حين بلغ هذا التبادل في 2015 نحو 2.6 مليار دولار.
وتبلغ الاستثمارات اليونانية التراكمية في تركيا لنحو 6.8 مليار دولار، إلا أن هذه الاستثمارات تأثرت سلبيًا بشكل كبير بعد بيع البنك الوطني اليوناني إلى بنك قطر الوطني. وتشمل مجالات استثمار اليونانيين بتركيا القطاع المالي وتكنولوجيا المعلومات، والتعبئة والتغليف، ومستحضرات التجميل، والزراعة، والمصائد السمكية، والسياحة.
بينما يصل حجم الاستثمارات التركية التراكمية في اليونان نحو 500 مليون دولار فقط، وتأتي هذه الاستثمارات في مجالات المراسي والموانئ، والقطاع السياحي، وكذلك بعض البنوك اليونانية. كما بلغ عدد السائحين الأتراك لليونان في عام 2015 نحو مليون سائح، وتنظم الخطوط الجوية التركية قرابة 52 رحلة لليونان أسبوعيًا1.
2ـ جورجيا:
بنهاية عام 1991 اعترفت تركيا باستقلال جورجيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وتم فتح السفارات بين البلدين، ومنذ عام 2007 تعد تركيا الشريك التجاري الأول لجورجيا، وكذلك من أكبر المستثمرين بها. وتشارك تركيا واذربيجان وجورجيا في آلية تنسيقية تضم وزراء خارجية الدول الثلاث، وكان آخر اجتماع لهذه التنسيقية في فبراير 2016، إلا أن هذا التمثيل شهد تطورًا على مستوى الرؤساء في 2014، وتم عقد الاجتماع الأول في مايو 2014.
وتتسع دائرة العلاقات في إطار التنسيقية الثلاثية، لتشمل وزراء الدفاع والنقل والاقتصاد وقادة القوات المسلحة، ورؤساء لجنة الشئون الخارجية بالبرلمانات ومنتديات الأعمال. وتؤكد السياسة الخارجية لتركيا على وحدة الأراضي الجورجية، وعدم القبول بما يسمى استقلال ابخازيا وجنوب أوسيتيا، كما تدفع تركيا لاندماج جورجيا في المنظمات الأوروبية2.
وتحظى العلاقات التركية مع جورجيا بتوافق سياسي، وغياب المشكلات السياسية بين البلدين، وفي ضوء هذه العلاقة، نجحت شركات المقاولات التركية في تنفيذ مشروعات بجورجيا بلغت 197 مشروعًا بتكلفة تصل إلى 3.5 مليار دولار3.
3ـ أرمينيا:
تعد أرمينيا من أقل دول الجوار لتركيا من حيث التعاملات الاقتصادية والتركية، على الرغم من سعى تركيا بتقديم المساعدات لأرمينيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن العشرين. ومنذ قيام ارمينيا باحتلال بعض الأراضي في اذربيجان قطعت العلاقات التجارية والاقتصادية المباشرة مع تركيا.
وفي عام 2010 تم التوصل إلى برتوكول لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، إلا أن أرمينيا أحالت هذا البرتوكول لمحكمتها الدستورية. ولم يفعل هذا البرتوكول بعد. ومنذ سنوات تقوم أرمينيا بالترويج لما يسمى بـ “مذابح الأرمن” ضد تركيا في المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي ترفضه تركيا بشكل واضح وصريح. ويعد هذا الملف حجر العثرة في طريق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين4.
4ـ أذربيجان:
تعد العلاقات السياسية بين تركيا واذربيجان من العلاقات الجيدة، وعلى الصعيد الاقتصادي، يُمثل الغاز المصدر من أذربيجان لأوروبا عصب العلاقة مع تركيا، حيث يمر نحو 80% من الغاز الطبيعي لأذربيجان عبر الأراضي التركية. وتقوم أذربيجان بمد تركيا بنحو 9% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، كما تحرص أذربيجان على توجيه جزء من استثماراتها الخارجية والمتراكمة عبر عوائد تصدير الغاز في تركيا، وبخاصة أن اذربيجان من الدول الناطقة بالتركية. وتقوم تركيا بمساندة أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا منذ بداية النزاع بين الدولتين في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، ولكن على الرغم من العلاقات السياسية والاقتصادية المتميزة بين البلدين، لم يتم التوصل بعد إلى مرحلة وجود منطقة تجارة حرة بينهما.5
5ـ بلغاريا:
حسب احصاءات 2011، يوجد نحو 588 ألف شخص ببلغاريا ينحدرون من عرق تركي، ويمثلون نسبة 8.8% من السكان، وتمتد العلاقات السياسية والاقتصادية بين بلغاريا وتركيا على مدار الفترة الماضية. وتعتمد الدولتان في التبادل التجاري، على المواد الخام والسلع الصناعية والعدد والآلات، وتعد تركيا ضمن أهم 5 شركاء تجاريين لبلغاريا، وتستحوذ تركيا على نسبة 7% من إجمالي التجارة الخارجية لبلغاريا.
وتقدر الاستثمارات التراكمية التركية في بلغاريا بنحو 2 مليار دولار، وتتواجد شركات تركية في السوق البلغاري يقدر عددها بنحو 1500 شركة، كما أن شركات المقاولات التركية، أنجزت أعمالًا ببلغاريا تقدر بنحو 1.2 مليار دولار6.
6ـ سورية:
ظلت العلاقات السياسية والاقتصادية متوترة بين سورية وتركيا حتى عام 1998، بسبب الخلاف على الحدود، وكذلك الحركة النشطة للجماعات الكردية التي تنطلق من الأراضي السورية، إلا أن عام 1998 شهد نقلة نوعية في تهدئة الأوضاع بين البلدين.
وفي عام 2009 تم تشكيل مجلس تعاون بين البلدين على مستوى الوزراء، ورؤساء الوزراء، ومن خلال الاجتماعات المتعاقبة لهذا المجلس، تم التوقيع على نحو 63 اتفاقية وبروتوكول ومذكرة تفاهم لتنظيم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وفي يناير 2007 دخل اتفاق منطقة التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، مما ساعد على حركة نشطة للتجارة وكذلك السياحة والاستثمار.
إلا أن الثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011، كانت حدًا فاصلًا في العلاقة بين الدولتين، وأدت إلى تحجيم العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، بسبب انحياز تركية للثورة السورية، وقد تحملت تركيا نظير ذلك استضافة نحو 3 مليون مهاجر سوري، وفتحت تركيا أسواق العمل والجامعات والمدارس والمستشفيات أمام المهاجرين السوريين، الذي يحظون بمعاملة المواطنين الأتراك في الكثير من الخدمات.
7ـ العراق:
العلاقات التاريخية ممتدة بين العراق وتركيا، وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية تم تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين في عام 2008، وفي عام 2009 تم توقيع 48 اتفاقية في مجالات الأمن والطاقة ومختلف الجوانب الاقتصادية، وتساهم العراق بمد تركيا باحتياجاتها من النفط بنحو 15% من إجمالي احتياجات تركيا النفطية. وكانت آخر اجتماعات هذا المجلس عام 2017 بحضور رئيس الوزراء التركي في العراق. ولدى تركيا علاقات قوية مع اقليم كردستان الذي تحرص تركيا أن يظل جزء من منظومة العراق، ولا تقبل بانفصاله عن العراق، كما تدعم تركيا تركمان العراق، وتطالب لهم بحقوق تمثيلهم في الإدارة العليا بالبلاد7.
8ـ إيران:
تحظى إيران وتركيا بعلاقات ممتدة تاريخيًا، ولم تمثل الحدود المشتركة بين الدولتين محل نزاع في أي وقت مضى، وقد تشكل مجلس للتعاون بين البلدين في 2014، وتتبادل الدولتان الزيارات على مستوى عال للقيادات السياسية، مثل رؤساء الوزراء، ورؤساء الجمهورية، وقد تنامت العلاقات التجارية بين البلدين أثناء فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وبخاصة في مجال استيراد تركيا للغاز والنفط من إيران، حيث تعتمد تركيا على نسبة 44% من احتياجاتها النفطية من إيران، وكذلك نسبة 19% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. كما توجد استثمارات متبادلة بين البلدين، وبخاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية جزئيًا عن إيران، حيث حظيت شركات المقاولات التركية بمناقصات كبيرة لإنشاء محطات للكهرباء تعمل بالغاز الطبيعي. كما تعتبر إيران أحد الروافد المهمة للسياحة الوافدة إلى تركيا8.
جدول 2: التبادل التجاري لتركيا مع دول الجوار 2016 (القيمة بالمليار دولار)
المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث، من خلال السلسلة الزمنية لبيانات معهد الإحصاء التركي
من خلال البيانات المذكورة بالجدول عاليه يمكن أن نذكر الحقائق الآتية:
شكل رقم 1:
جدول رقم 3: مساهمة دول الجوار في تدفق الاستثمارات المباشرة بتركيا 2015 (القيمة بالمليون دولار)
المصدر: تم إعداد الجدول وحساب النسب، بواسطة الباحث، من خلال بيانات البنك المركزي التركي.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل واحدًا من المصادر المهمة للتمويل في تركيا، حيث تعاني تركيا من ارتفاع مديونياتها الخارجية (وإن كانت في الحدود الآمنة بمعيار نسبة الديون للناتج المحلي الإجمالي) إذ تقدر الديون الخارجية لتركيا بنحو 408 مليار دولار في نهاية عام 2016. كما أن تركيا تعاني من انخفاض نسبة المدخرات القومية لإجمالي الناتج المحلي الإجمالي، حيث تقدر هذه المدخرات بنحو 14% من الناتج المحلي.
ومن هنا تكتسب الاستثمارات الأجنبية المباشرة زخمًا في الحسابات الكلية للاقتصاد التركي، ولذلك تتجه تركيا منذ سنوات لتحسين مناخ الاستثمار، وتشجيع جذب تلك الاستثمارات لأراضيها، وإن كانت الأرقام تظهر أن تركيا تعد من أفضل دول المنطقة لاستقدام هذه الاستثمارات، إلا أن المشروع التنموي لتركيا يحتاج إلى المزيد منها.
ومن خلال البيانات المذكورة بالجدول عاليه، نجد أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول الجوار لتركيا، في عام 2015 تصل إلى 1.3 مليار دولار، وبما يمثل 7.9% من إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتركيا في نفس العام والبالغة 16.9 مليار دولار. وتأتي اذربيجان في مقدمة دول الجوار من حيث مساهمتها في الاستثمارات الأجنبية بتركيا، تليها اليونان، ثم إيران.
ومن العوامل الإيجابية التي يمكن لتركيا أن تستفيد من تدفقات الاستثمارات المباشرة من دول الجوار، أن لها ثلاث دول من جيرانها من الدول النفطية، وهي العراق وإيران وأذربيجان. وقد تكون الظروف الحالية للعراق وخوضه لحروب أهلية معوقة في الدفع باستثمارات مباشرة لتركيا في الوقت الحاضر، ولكن قد تسمح لها ظروفها خلال الفترة القادمة، إذا ما نجحت في الوصول لحالة من الاستقلال السياسي والأمني، وأنهاء حربها الأهلية.
تعد السياحة من الأنشطة الاقتصادية الرئيسة في التجربة التركية، وبلا شك أن دول الجوار، تتمتع بمزايا أفضل في الاستفادة من خدمات قطاع السياحة التركي، نظرًا لانخفاض تكاليف السفر، وكذلك امكانية التعرف بعض الشئ على اللغة التركية، وقد تكون هناك عادات وتقاليد مشتركة، وكذلك الأحداث التاريخية المشتركة لتركيا ودول جوارها. وفيما يلي نستعرض أداء حركة السياحة لتركيا مع دول الجوار وفق بيانات عام 2016.
جدول 4: حركة السياحة من وإلى تركيا مع دول الجوار 2016 (العدد بالألف)
المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث من خلال احصاءات معهد الإحصاء التركي. لم تتوفر بيانات عن أعداد السائحين من أرمينيا والعراق لتركيا في عام 2016.
تمثل السياحة واحدة من الأنشطة الاقتصادية الرئيسة في تركيا، لما تملكه تركيا من مقومات سياحية طبيعية وتاريخية تمثل عامل جذب للسيائحين على مستوى العالم، وبخاصة لدول الجوار، وقد بذلت الحكومة التركية الكثير من الجهود للاستفادة بأكبر درجة ممكنة من اقتصاديات السياحة.
وبناء على التسهيلات الكثيرة التي قدمتها تركيا على مدار أكثر من عقد ونصف، احتلت تركيا تصنيفها ضمن أكبر 10 مقاصد سياحية على مستوى العالم لسنوات، حسب تقديرات منظمة السياحة العالمية. ولكن لابد أن نذكر أن السياحة الغربية لا تزال تمثل عصب نشاط السياحة التركية، وأن جزءًا من سياحة دول الجوار تحتاج إلى مراجعة في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، فثمة أعداد من السائحين يجب أن يعاد النظر إليها، وبخاصة تلك التي تنحدر من (سورية، العراق، ليبيا، اليمن، مصر)، فنسبة كبيرة من هؤلاء السائحين، تقيم بشكل دائم بتركيا بحثًا عن مكان للإقامة واستكمال سُبل العيش في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني ببلدناهم.
وباستثناء المهاجرين السوريين، فإن الجانب الأكبر من باقي المهاجرين العرب، يتحملون كامل نفقات إقامتهم في تركيا، وهم عادة تصحبهم أسرهم، بما يعني أن ستهم نفقاتهم في انعاش الاقتصاد التركي، بمختلف الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فضلًا عن أن نسبة من هؤلاء المهاجرين استجلبوا أموالهم لتركيا، ويمارسون أنشطة استثمارية، وينشط جانب منهم في تسويق الصادرات التركية بالمنطقة العربية أو في أفريقيا، بل وفي مختلف بلدان العالم..
وفقًا للبيانات المذكورة بالجدول عاليه، نجد أن حركة السياحة لتركيا مع دول الجوار في عام 2016، في صالح تركيا، حيث بلغ عدد السائحين من دول الجوار لتركيا 6.6 مليون سائح، بينما بلغ عدد السائحين الأتراك لدول الجوار نحو 3.1 مليون سائح.
ومثل السائحون من دول الجوار نسبة 21.3% من إجمالي عدد السائحين الوافدين لتركيا في عام 2016، والبالغ عددهم 31.3 مليون سائح، وفق تصنيف السائحين حسب جنسياتهم. بينما بلغت نسبة السائحين الأتراك لدول الجوار 39.6% من إجمالي السائحين الأتراك المتوجهين لمختلف بلدان العالم والبالغ عددهم 8.06 مليون سائح.
وتعد جورجيا الدولة الأولى من بين دول الجوار في حركة السياحة البينية لتركيا في عام 2016، حيث وفد منها إلى تركيا 2.1 مليون سائح، بينما استقبلت جورجيا 1.1 مليون سائح تركيا. وتأتي بلغاريا في المرتبة الثانية في حركة السياحة البينية مع تركيا من دول الجوار، وفي المرتبة الثالثة إيران.
وفق معايير الاندماج مع دول الجوار، لتقوية التوجه التركي نحو بناء مشروعًا إقليميًا، نجد أن معدلات التعاملات الاقتصادية والتجارية، لازالت متواضعة، رغم تحسنها مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل مجيئ حكومة العدالة والتنمية في عام 2003. فكما أشرنا بلغ حجم التبادل التجاري لتركيا مع دول الجوار نسبة 8.8%، وبلغت نسبة مساهمة دول الجوار في الاستثمار المباشرة القادمة لتركيا 7.9%، بينما تشارك حركة السياحة من دول الجوار بنسبة كبيرة بلغت 21.3% من السياحة الوافدة لتركيا.
ونحسب أن تركيا تحتاج لرفع معدلات التبادل التجاري مع دول الجوار كذلك على صعيد استقدام أو الدفع بالاستثمارات المباشرة، فتجربة الاتحاد الأوربي على سبيل المثال تحقق نسبة 65% للتجارة البينية من إجمالي التجارة الخارجية للاتحاد. ومن هنا نستطيع القول بأن المصالح تؤدي دورًا مهمًا في قيام وبقاء الاتحاد الأوروبي، وحينما شعرت بريطانيا أن مصالحها الاقتصادية في تراجع خلال الفترة الماضية بسبب وجودها في الاتحاد الأوروبي، قررت خروجها منه.
وثمة أمر مهم ينبغي أن نستحضره عند قراءة مستقبل علاقات تركيا الاقتصادية والتجارية مع دول الجوار، حيث يمثل فرصة وتحد للاقتصاد التركي، في ظل رفع العقوبات الاقتصادية جزئيًا عن إيران، فهل ستستغل تركيا الفرصة لزيادة علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إيران، أم سيكون توجه إيران للغرب مؤثرًا سلبيًا عن حركة تعاملاتها مع تركيا؟
ووفق قراءة الواقع واستشراف المستقبل، فإن الوضع في منطقة الشرق الأوسط سوف يشهد المزيد من التدهور السياسي والأمني، مما يفرض على تركيا المزيد من التحديات لتوطيد علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول الجوار، وعلى صانع السياسة التجارية والاقتصادية لتركيا مع دول الجوار، أن يجعل من تلك التحديات فرص، لتنشيط ونمو الاقتصاد التركي (9).
——————————–
الهامش
(1) وزارة الخارجية التركية، http://www.mfa.gov.tr/relations-between-turkey-and-greece.en.mfa
(2) المصدر السابق، http://www.mfa.gov.tr/relations-between-turkey-and-georgia.en.mfa
(3) المصدر السابق، http://www.mfa.gov.tr/economic-relations-between-turkey-and-georgia.en.mfa
(4) وزارة الخارجية التركية، الرابط
(5) Cagla Gul YESEVI,Turkey Azerbaijan Energy Relations: A Political and Economic Analysis, p36 -International Journal of Energy Economics and Policy-Vol. 5, No. 1, 2015, pp.27-44.
(6) وزارة الخارجية التركية، الرابط
(7) وزارة الخارجية التركية، الرابط
(8) وزارة الخارجية التركية، الرابط