ثمة مجموعة من الشواهد على ضعف اقتصادات دول المغرب العربي الكبير، سواء فيما يتعلق بالبطالة التي تتراوح بين 9.2% في المغرب و31% في موريتانيا، أو الدين الخارجي الذي تتصدر فيه المغرب دول المجموعة بنحو 39.2 مليار دولار، أو عجز الميزان التجاري المزمن باستثناء الجزائر وليبيا بوصفهما دولتين نفطيتين، أو تراجع ترتيب دول المنطقة على المؤشر العالمي للتنمية البشرية.
وحسب تصنيف البنك الدولي للوضع التنموي للدول، فإن دول المغرب العربي تصنف على أنها بلدان نامية، باستثناء موريتانيا التي تصنف ضمن مجموعة الدول الأقل نموًّا، فضلًا عن أن جميع دول المغرب العربي لديها ملفات مفتوحة للتعامل مع أجندة صندوق النقد الدولي، بما في ذلك الدول النفطية، وكانت الحكومة الليبية عازمة قبل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في الأشهر الأخيرة على إبرام اتفاق مع الصندوق للحصول على قرض بعشرة مليارات دولار.
هذه الحقائق الاقتصادية عن ضعف اقتصادات المنطقة ليست وليدة أحداث ما بعد ثورات الربيع العربي، ولكنها ناتجة عن مشكلات مزمنة، من أبرزها ضعف الناتج، والخلل الذي يعتري الموارد البشرية، وتفشي الفساد، وفشل تجربة الاتحاد المغاربي.
يعكس الناتج المحلي الإجمالي لأية دولة قوة اقتصادها أو ضعفه، ليس من ناحية القيمة فقط، ولكن من حيث طبيعة مكونات هذا الناتج، فكلما كان الناتج متحققًا من أنشطة إنتاجية، وقيمة مضافة عالية، كان ذلك دليلاً على قوة الاقتصاد. وكلما اعتمد على الأنشطة الريعية وإنتاج المواد الأولية كان ذلك دليل ضعف.
وبالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات دول المغرب العربي، نجد أنه يبلغ 439 مليار دولار حسب تقديرات عام 2013، وتستحوذ الجزائر بصفتها دولة نفطية على 48% من هذا الناتج، في حين تحتل موريتانيا المرتبة الأخيرة بناتج يناهز 4.1 مليارات دولار.
"المواد الأولية والصناعات الاستخراجية تمثل العمود الفقري للناتج المحلي الإجمالي لدول المغرب العربي، إذ تشكل أهم مكون للناتج في ليبيا والجزائر وموريتانيا، في حين تستحوذ الصناعة التحويلية على حصة الأسد في تونس والمغرب"
أما من حيث مكونات الناتج لدول المغرب العربي، فنجد أنها تنحصر بين المواد الأولية والصناعات الاستخراجية، ففي ليبيا والجزائر وموريتانيا نجد أن الصناعات الاستخراجية تسهم بالنصيب الأوفر في الناتج، في حين أن الصناعات التحويلية تستحوذ على حصة الأسد في تونس والمغرب.
وحتى ثقل الصناعات التحويلية في تونس والمغرب ليس في مجالات عالية التكنولوجيا، ولكنه يتصل بصناعات تقليدية، وهو ما انعكس على المردود الضعيف للناتج المحلي الإجمالي للبلدين في معدلات التشغيل، إذ تبلغ معدلات البطالة بهما نحو 9.2% و13.2% على التوالي.
ومن الشواهد أيضا على ضعف الناتج بدول المنطقة أن صادراتها، التي تبلغ 163.5 مليار دولار في عام 2013، لا تشكل فيها مواد التكنولوجيا المتقدمة سوى 1.6 مليار دولار فقط، أي ما نسبته 0.97% من المجموع، منها مليونا دولار للجزائر، و732 مليونا لتونس، و889 مليونا للمغرب، في حين لا تساهم كل من ليبيا وموريتانيا بشيء في هذه الصادرات.
وتعد ضآلة حضور التكنولوجيا في الصادرات نتاجا طبيعيا لضعف إنفاق هذه الدول على البحوث والتطوير، فوفق بيانات تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2014 فإن ذلك الإنفاق لا يمثل سوى 1.1% من الناتج المحلي لتونس، و0.1% في الجزائر و0.6% في المغرب.
وما يثير الانتباه هنا أن الجزائر، التي هي صاحبة أكبر ناتج محلي بين دول المجموعة وتمتلك احتياطيا من النقد الأجنبي يناهز مائتي مليار دولار، هي أقل الدول الثلاث إنفاقا على البحث والتطوير.
وثمة مظهر آخر للخلل في مكونات الناتج عند النظر إلى مساهمة الاستهلاك والاستثمار وصافي التعاملات مع العالم الخارجي، إذ تبين الإحصاءات أن معدلات الاستهلاك أعلى من معدلات الاستثمار بنسب عالية، وأن صافي التعاملات مع العالم الخارجي يسجل عجزا، باستثناء الجزائر وليبيا بسبب صادراتهما النفطية، وهو ما انعكس على وجود فجوة مالية في تونس والمغرب وموريتانيا بنحو 4.1 مليارات دولار و13.6 مليار دولار و1.1 مليار دولار على التوالي.
يناهز التعداد السكاني لدول المغرب العربي تسعين مليون نسمة، ولكن يلاحظ أن هناك عدة مؤشرات على انخفاض الاستفادة من هذه الثروة البشرية في تحريك عجلة الاقتصاد، إذ ترتفع معدلات النمو السكاني بين دول المغرب مقارنة بمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويعد هذا المؤشر من أهم الدلالات على عدم كفاءة استخدام الموارد البشرية.
ففي كل من موريتانيا وليبيا يبلغ معدل النمو السكاني 3.2%، ويتراجع في الجزائر إلى 2%، في حين يصل إلى 1% في تونس والمغرب.
أما المظهر الثاني لضعف الموارد البشرية فهو ارتفاع معدلات الأمية لمن هم فوق سن 15 سنة، حيث يتراوح المعدل في هذه الشريحة العمرية بين 10.8% بليبيا و43.9% بالمغرب. ويؤثر استمرار معدلات الأمية عند هذه المستويات على معدلات الإنتاجية للأيدي العاملة.
"من مظاهر ضعف الموارد البشرية بالمنطقة ارتفاع معدلات الأمية لمن هم فوق سن 15 سنة، حيث يتراوح المعدل في هذه الشريحة العمرية، بين 10.8% بليبيا و43.9% بالمغرب. ويؤثر استمرار معدلات الأمية عند هذه المعدلات على معدلات إنتاجية العمالة"
وفي كل دول المغرب العربي، يسيطر قطاع الخدمات على النصيب الأوفر من تشغيل العمالة بنحو 45%، في حين تستقطب الزراعة 20% والصناعة 30%، وللأسف فإن ارتفاع نسبة مساهمة قطاع الخدمات في التشغيل يرجع إلى التوظيف الحكومي، وعادة ما تكون هذه الوظائف غير حقيقية، أو قيمتها المضافة ضعيفة.
كما أن الزراعة في دول المغرب شأنها شأن باقي الدول العربية الأخرى تعتمد على الأميين، وينحصر نشاطها في إنتاج المواد الأولية، ولا يستفاد منها في مرحلة التصنيع الزراعي والغذائي.
بغض النظر عن تعريفات الفساد المختلفة، فإنه يمكن الاعتماد على مؤشر منظمة الشفافية الدولية لمعرفة مكانة وترتيب دول المغرب العربي في مجال الفساد، حيث نجد أن هذه الدول احتلت على مدار السنوات الماضية مراتب متأخرة في الشفافية.
وكانت درجات هذه الدول على المؤشر دون المتوسط، فحسب بيانات المؤشر نفسه لعام 2014 كانت تونس الأفضل من بين دول المغرب عندما احتلت المرتبة 79 من بين 174 دولة شملها المؤشر، في حين كانت موريتانيا الأسوأ باحتلالها المرتبة 124.
ويرجع انتشار الفساد بهذه الدرجة في دول المنطقة إلى عوامل، من أهمها غياب النظم الديمقراطية، التي تعمل على مراقبة عمل الحكومات ومحاسبتها، وضعف دول المجتمع المدني في مكافحة الفساد.
ومن الضروري عند ذكر أسباب ضعف أداء اقتصادات المغرب العربي الإشارة إلى فشل تجربة اتحاد المغرب العربي، التي مر عليها نحو ربع قرن، ولم تسفر عن حالة من التعاون أو التكامل الاقتصادي، إذ تشير الإحصاءات إلى أن التجارة بين دول المغرب لا تتجاوز أربعة مليارات دولار، مما يشكل 2.5% من إجمالي التجارة الخارجية لهذه الدول.