ملامح برنامج الإصلاح الاقتصادي
معوقات تطبيق برنامج الإصلاح
رغم الاحتياطيات من النقد الأجنبي التي تصل إلى 35 مليار دولار، وكذلك الرصيد الضخم في الصندوق السيادي، والحرص على تجنيب 10% سنويا من الإيرادات العامة لصالح الأجيال القادمة؛ اضطرت حكومة الكويت للإعلان عن برنامج للإصلاح الاقتصادي تحت وطأة أزمة انهيار أسعار النفط التي بدأت في يوليو/تموز 2014، وتداعت آثارها السلبية على كل الاقتصادات النفطية ومن بينها الكويت.
وتمتلك الكويت واحدا من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم، حيث قدرت أحد المقالات في منتدى صندوق النقد الدولي رصيد الصندوق السيادي الكويتي بنحو 592 مليار دولار، ليحتل المرتبة الرابعة بين الصناديق السيادية الكبرى على مستوى العالم.
وقد أخذت ميزانية العام المالي 2016-2017 في الكويت بمبدأ الحيطة والحذر تجاه أسعار النفط، فتم اعتمادها في ضوء سعر 25 دولارا للبرميل، وأن يبلغ الإنتاج النفطي اليومي 2.8 مليون برميل. وفي ضوء هذه الاعتبارات قدرت الإيرادات العامة -التي يشكل النفط 78% منها- بنحو 7.4 مليارات دينار (24.4 مليار دولار)، والمصروفات بنحو 18.9 مليار دينار ( 62.3 مليار دولار)، وبذلك وصل العجز المقدر في الميزانية إلى 12.2 مليار دينار (قرابة 40 مليار دولار).
"
أخذت ميزانية العام المالي 2016-2017 في الكويت بمبدأ الحيطة والحذر تجاه أسعار النفط، فتم اعتمادها في ضوء سعر 25 دولارا للبرميل
"
وفي ضوء التدابير التي أُعلنت في إطار ربط قانون الموازنة، أخذت الحكومة في تنفيذ مجموعة من الإجراءات لترشيد المصروفات، وخصخصة مجموعة من الخدمات، إلا أن العاملين في قطاع النفط نفذوا مؤخرا إضرابا لمدة ثلاثة أيام، اضطرت معه الحكومة للإعلان عبر وزير المالية ووزير النفط بالوكالة أنس الصالح أن الحكومة لا تعتزم خصخصة الإنتاج في قطاع النفط والغاز الطبيعي، وكذلك مرفقي التعليم والصحة، وذلك بعد أن كبد الإضراب الكويت تراجعا حادا في إنتاج النفط قدر بنحو 60% خلال الأيام الثلاثة.
وإذا ما تمت حالة من الاستقرار في سوق النفط عند متوسط سعري 45 دولارا للبرميل كما هو سائد حاليا، فإن الكويت باستطاعتها إنجاز مستهدفاتها في الميزانية للعام المالي 2016-2017 بشكل أفضل وبعجز أقل من المقدر في الميزانية، حيث إن الإيرادات ستكون ضعف المقدر بالميزانية، وبالتالي يمكن التغلب على العديد من المشكلات المالية.
القضية لا تتوقف لدى الحكومة الكويتية عند حد عدم تجاوز الوضع المالي للعام الحالي، ولكنها تستهدف أن تتخلص من الضغوط التي يمثلها التذبذب في العائدات النفطية، وإمكانية أن تستمر أزمة انهيار أسعار النفط لفترة تقدر بنحو خمس سنوات في المتوسط. لذلك أعلنت الحكومة الكويتية برنامجها للإصلاح المالي والاقتصادي، والذي يتمثل في مجموعة من المحاور، من أهمها ما يأتي:
– إعادة النظر في الدور الاقتصادي للدولة، وإعطاء دور أكبر لمساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
– خصخصة بعض المشروعات الحكومية من خلال تمليك المواطنين حصة من رؤوس أموال هذه المشروعات، وبخاصة الخدمية منها مثل الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء.
– استحداث ضرائب جديدة، مثل فرض ضريبة على أرباح الشركات بمعدل 10% سنويا، وكذلك تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة بواقع 5%.
– رفع رسوم العديد من الخدمات وكذلك أسعار السلع، ومن أهمها البنزين ورسوم المياه والكهرباء، وتوحيد رواتب موظفي الدولة وفق مجموعة من الجداول الموحدة وعدم زيادتها، وتخفيض ميزانيات التدريب في الخارج، وترشيد نفقات بعض بنود الدعم.
ويلاحظ أن هذه البنود هي بعينها التي أوصى بها تقرير صندوق النقد الدولي في نهاية زيارته للكويت في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتكاد تكون وصفة موحدة أصدرتها تقارير بعثات الصندوق في السعودية والإمارات والكويت بعد أزمة انهيار أسعار النفط.
على الرغم من أن أجندة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي في الكويت تم التنويه إليها غير مرة عبر وسائل الإعلام من خلال اجتماعات مجلس الوزراء أو موافقة مجلس الأمة، فإن التطبيق سوف يواجه مجموعة من المعوقات، من أبرزها ما يأتي:
*المعارضة الشعبية: فمع بدء تطبيق ما يخص الرواتب بالقطاع الحكومي، نظم أكبر قطاع اقتصادي بالكويت إضرابا عاما، من خلال العاملين في قطاع النفط، مما اضطر الحكومة للتراجع عن تطبيق الإجراءات الإصلاحية على هذا القطاع، فضلا عن تعهد بعدم الاقتراب من قطاعي التعليم والصحة.
ولم تكن هذه هي الخطوة الأولى التي اعترض فيها المواطنون على خطط الحكومة، حيث طالب نواب بمجلس الأمة الحكومة الكويتية من قبل بالتوقف عن تقديم الدعم الخارجي لبعض الدول، ومنها مصر على سبيل المثال، قبل اتخاذ قرار برفع أسعار المحروقات في الأشهر الأخيرة من عام 2015
"
يشكل الوافدون -بحسب بيانات البنك المركزي الكويتي- ما يزيد على مليوني نسمة، ويمثلون 82% من إجمالي القوى العاملة، أي أن القرارات أو الإجراءات التي يشملها برنامج الإصلاح الاقتصادي تستهدف هذه الفئة بشكل واضح
"
*إشكالية الوافدين: في خطوة تمس جوانب إنسانية وحقوقية، استثنت حكومة الكويت من خلال مجلس الأمة المواطنين من تطبيق الزيادة في أسعار المياه والغاز والكهرباء، وقررت أن تكون هذه الزيادة قاصرة على الوافدين فقط.
ويشكل الوافدون -بحسب بيانات البنك المركزي الكويتي- ما يزيد على مليوني نسمة، ويمثلون 82% من إجمالي القوى العاملة، أي أن القرارات أو الإجراءات التي يشملها برنامج الإصلاح الاقتصادي تستهدف هذه الفئة بشكل واضح، ومن السهل أن ترتد الآثار السلبية لهذا الإجراء على معطيات الاقتصاد الكويتي، من خلال مطالبة الوافدين بتحسين رواتبهم بمعدلات تتوافق وزيادة الأعباء الجديدة متمثلة في رسوم الخدمات أو ارتفاع أسعار السلع.
والشيء نفسه يمكن أن ينطبق على الضرائب التي تعتزم الحكومة الكويتية فرضها، مثل ضريبة الشركات، أو ضريبة القيمة المضافة، فكل ما سيفكر فيه المنتج أو أصحاب الشركات هو إعادة تحميل أعباء هذه الضرائب على المستهلك، سواء كان مواطنا أو وافدا.
فآلية الضرائب يجب أن لا يُنظر إليها فقط على أنها مجرد جباية لزيادة الإيرادات العامة، وفي حالة الكويت يفضل أن يكون الإعفاء الضريبي محفزا، من خلال استثناء القطاعات الإنتاجية -عدا النفط- من الضرائب المزمع فرضها على الشركات.
*غياب الإصلاح الهيكلي: شأن كافة برامج الإصلاح التي يوصي بها صندوق النقد الدولي، حيث يتم التركيز على الإصلاح المالي والنقدي من خلال الموازنة العامة للدولة وكذلك الأدوات الأخرى التي تخص السياسة النقدية، ويتم إهمال الجانب الإنتاجي وقصره فقط على تنفيذ بعض المشروعات العامة والتوصية بتوسعة قاعدة الملكية لصالح القطاع الخاص
فالمطلوب لكي تنجح خطة التنوع الاقتصادي داخل دولة الكويت أن تكون الاستثمارات الإنتاجية إضافات جديدة لهيكل الناتج المحلي الإجمالي، وليس فقط مجرد نقل صورة الملكية من الحكومة أو الدولة للقطاع الخاص.
فالهدف الأول لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في الكويت الخاص بإعادة النظر في الدور الاقتصادي للدولة، ينبغي أن لا تكون صورته الوحيدة هي أن تتخلص الدولة من المشروعات العامة، سواء كانت إنتاجية أو خدمية، وإنما إجراء إصلاح حقيقي داخل هذه المشروعات والمؤسسات، بحيث تعمل وفق القواعد الاقتصادية، وإتاحة المساحات الإضافية أو الجديدة من خلال مساهمات القطاع الخاص، سواء كان محليا أو أجنبيا.
*استمرار الإسراف الحكومي: تحت وطأة تلبية احتياجات المواطنين تظل أبواب كثيرة مفتحة لهدر النفقات الحكومية، فليست العبرة استهداف نسب أو أرقام في ضبط الإنفاق الحكومي أو العام.
ولكن العبرة بمردود هذا الإنفاق، فمثلا حينما تستهدف الحكومة الكويتية تخفيض نفقات التدريب في الخارج بنسبة 25%، فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة، فإذا كانت تلك البرامج التدريبية سوف تضيف لمتطلبات برنامج الإصلاح الاقتصادي فلتبق كما هي دون تخفيض، ولكن إذا كانت بلا مردود إيجابي فليتم إلغاؤها بالكلية، وليست العبرة هنا بمجرد رقم أو نسبة