الرئيسية / العالم العربي / في الأول من مايو.. ما شكل بيئة العمل العربية في عيد العمال

في الأول من مايو.. ما شكل بيئة العمل العربية في عيد العمال

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-05-2021
  • 106
في الأول من مايو.. ما شكل بيئة العمل العربية في عيد العمال
  • المصدر: الجزيرة

بيئة العمل من العوامل المهمة، التي يجب أن تتوفر لكي تزيد الإنتاجية ويرتقي العمال، ولكن الواقع في المنطقة العربية أننا أمام خريطة ذات تضاريس مختلفة لبيئات العمل، فثمة دول تعاني من نزاعات محلية مسلحة في كل من ليبيا وسوريا واليمن والعراق والصومال.

كما تتورط كل من السعودية والإمارات في حرب في اليمن مع الحوثيين منذ مارس/آذار 2015، فضلًا عن أوضاع مالية متراجعة بسبب الأزمة المزدوجة لجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، مما أثر على بيئة العمل في دول الخليج.

وتعيش عدة دول عربية أخرى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، مثل مصر وتونس والأردن والجزائر ولبنان.

وفي الأول من مايو/أيار من كل عام يتم الاحتفال بعيد العمال، وبعض الدول تعتبره إجازة مدفوعة الأجر. يذكر أنه بمراجعة موقع الأمم المتحدة، لم يدرج الأول من مايو/أيار على قائمة الأيام الدولية المعتمدة لدى المنظمة، وإن كانت المناسبة تفرض نفسها على الساحة الدولية.

ولعله من المهم في مناسبة عيد العمال أن نشير إلى مجموعة من القضايا التي تؤرق العمال العرب، وبخاصة ما يتعلق ببيئة العمل وشروطه، وحالهم مع البطالة والفقر، وكذلك وضعهم على خريطة الفعل السياسي.

الخصخصة وحقوق العمال

العمال في ظل وجود الحكومات والقطاع العام كأرباب عمل، كانوا يحصلون على العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتعارف عليها في العهود والمواثيق الدولية، وإن كانت هناك حالة من إساءة استخدام هذا الحق، سواء من قبل العمال أو من قبل الحكومات، من خلال توظيف هذه الحقوق في تدجين الحركات العمالية، وإقامة عقد اجتماعي ينظم علاقة العمال بالدولة في إطار ما يعرف بـ"الولاء مقابل العطاء".

ومنذ تسعينيات القرن العشرين والعديد من الدول العربية، إن لم يكن جلّها، تبنت برامج للخصخصة، تضمنت تخلّص الحكومات من المشروعات والمؤسسات العامة، وتسريح عمالها، أو تقليص عددهم، كما تنص غالبية برامج الإصلاح الاقتصادي مع المؤسسات الدولية على تقليص عدد العاملين بالحكومة والقطاع العام.

قلما حافظت إدارة القطاع الخاص على حقوق العمال، أو الإبقاء على دور للنقابات العمالية في المؤسسات والمشروعات التي تمت خصخصتها في المنطقة العربية.

أما مشروعات القطاع الخاص، التي أنشئت في كنفه، فهي بعيدة بشكل كبير عن اعتبار حقوق العمال، باستثاء تحسين نسبي للأجور، ولكن في ضوء قرارات منفردة من إدارة هذه المنشآت وفي ظل استبعاد أي حوار مع الحركات العمالية والنقابية.

بطالة العمال العرب

البطالة بالمنطقة العربية، كما يشخصها التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، تعد من أعلى معدلات البطالة في العالم، فقد كانت عند نسبة 15.9% من قوة العمل في عام 2019، في حين كان المتوسط العالمي للبطالة 5.4%. ويبلغ عدد العاطلين بالعالم العربي 25.6 مليون فرد، ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن 75% من العاطلين العرب يتركزون في 5 دول عربية، هي: السودان وسوريا ومصر والجزائر والعراق.

وبلا شك فإن جائحة كورونا قد زادت من حدة البطالة في العالم العربي، وهو ما رصدته بيانات منظمة العمل الدولية، ولُمس من خلال ما تعرضت له الدول العربية من عمليات حظر كامل أو جزئي، أثّر بشكل كبير على فقدان فرص العمل القائمة، وقلّص من إمكانية إتاحة فرص عمل جديدة.

تحديات كورونا

لم تكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها جائحة كورونا، قاصرة فقد على زيادة معدلات البطالة، ولكنها شكلت جوانب كثيرة، منها حدوث انكماش في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع كل من الصادرات والواردات، وشل حركة الطيران، وشل قطاع السياحة.

وفيما يخص تأثير كورونا على بيئة العمل في العالم العربي، يلاحظ أنه تم فقدان 5 ملايين وظيفة دائمة خلال عام 2020، كما تم تخفيض ساعات العمل بنسبة 9% في النصف الأول من 2020، وارتفع تخفيض ساعات العمل لنسبة 18.8%.

وكشفت كورونا عن معضلة أسواق العمل العربية فيما يخص مشكلات العمالة غير المنتظمة، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من سوق العمل العربي، ومدى هشاشة الحماية الاجتماعية لهذه الفئة من العمال، الذين لا يتوفر لهم تأمين صحي أو اجتماعي، ولا تتاح لهم إعانات بطالة، وفي أحسن الأحوال نال بعض هؤلاء العمال إعانات ضئيلة وغير منتظمة خلال عام 2020.

الفقر يصاحب البطالة العربية

في تقرير حديث لمنظمة الإسكوا (ESCWA)، بعنوان مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة العربية لعام 2019-2020، تبين أن أزمة كورونا لها دلالتها الواضحة على زيادة معدلات الفقر بالمنطقة، حيث يذكر التقرير أنه من بيانات أتيحت عن 14 بلدًا عربيا، وجد أن نسبة الفقر ارتفعت من 29.2% من السكان لهذه البلدان عام 2019 إلى 32.4% في عام 2020، ويتوقع التقرير أن معدلات الفقر سوف تشهد بعض التراجع في عام 2021 لتصل 32.1%.

ولكن في ظل الموجات الجديدة، وإقبال بعض دول المنطقة العربية على الإغلاق الجزئي أو الكلي، من المتوقع ألا تتحقق توقعات التقرير فيما يخص تراجع معدلات الفقر في عام 2021. وذكر التقرير أيضًا أن الكتلة الرئيسية للفقراء بالدول التي شملها التقرير تتركز بنسبة 80% في أربع دول، وهي سوريا والسوان ومصر واليمن.

تحديات بيئة عمل جديدة

ثمة أمران مهمان ينبغي الإشارة إليهما في ضوء بيئة العمل، التي تخص العمال في المنطقة العربية، وما فرضته كورونا من فرص وتحديات تتعلق بتغير طبيعة وشكل علاقة العمل التقليدية، حيث يميل الجميع الآن إلى علاقات عمل غير ملزمة من حيث ساعات العمل، أو طبيعة الأجر المنتظم، أو توفر باقي الميزات الأخرى الممنوحة للعمال في الظروف الطبيعية.

الأمر الثاني هو التطور السريع للعمل الافتراضي، الذي أصبح إحدى سمات العولمة في ظل تجليات ثورة المعلومات والاتصالات، وعادة ما تكون علاقة العمل قاصرة على علاقة فردية، وتطلب مهارات تكنولوجية عالية، وتقوم بشكل كبير على التطوير والابتكار.

ومن هنا نجد أن تحديا جديدا يلقي بظلاله على العمال العرب، الذين يفقتد جزء كبير منهم للتعليم والتأهيل المناسب للالتحاق ببيئة العمل الجديدة.

غياب دور العمال السياسي

الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وقد لعب العمال على مدى عقود ماضية أدوارا سياسية كبيرة، ولكن يلاحظ أن المنطقة العربية، كانت أقل حظا في انتشار المؤسسية بين جنبات الحركات العمالية، فحرصت الحكومات العربية على تدجين الحركة العمالية واعتبارها جزءًا من الأداء الحكومي.

والملاحظ أن الحركات العمالية في المنطقة العربية لم تخرج لنطاق أن يكون لها حزب سياسي يحمي مصالحها، ويسعى لتولي السلطة، ولكنها اكتفت في أحسن الأحوال بالمطالبة ببعض المميزات أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مثل تحسين الأجور أو الاستفادة من برامج الإسكان أو توظيف الأبناء.

ولعله من المهم والضروري في ظل مناسبة عيد العمال أن نخص بالذكر تلك الفئة من العمال العرب الذين تعرضوا في ظل ظروف بلدانهم غير الطبيعية إلى عمليات نزوح أو هجرة، بل تعرض بعضهم للقتل وللإصابة بعاهات مستديمة، أقعدتهم عن الحركة. وهؤلاء العمال لا يجدون من يسعى لحماية مصالحهم أو الحصول على حقوقهم، وبخاصة في ظل ضعف مؤسسات العمل العربي المشترك، المعنية بهذه الأمور الإنسانية البحتة