سمات مشتركة تجمع اقتصاديّات دول الخليج، حيث تسيطر عليها العوائد النّفطية، فتنعش ماليّة الدّول عند ارتفاع أسعار النّفط في السّوق الدوليّة، وتتّجه نحو الرّكود والدّيون حين تتهاوى الأسعار. لا تبدو سلطنة عمان حالة استثنائيّة مما أصاب اقتصاديات الخليج منذ منتصف عام 2014 بعد التّراجع الحاد في أسعار النّفط، كذلك جائحة كورونا التي مثّلت أزمة مزدوجة على الدّول النفطيّة، من حيث تراجع الإيرادات النّفطية وتراجع معدّلات النّمو.
ومنذ عام 2015، إتّجهت سلطنة عمان إلى مجموعة من الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة بغية مواجهة التّهديدات التي جلبتها أزمة إنهيار أسعار النّفط. حققت السّلطنة مجموعة من النّتائج، منها زيادة مصادر الإيرادات غير النّفطية بنسبة 17% وتخفيض مصروفات الوحدات الحكوميّة بنسبة 13%، كما تمّ تخفيض النّفقات الاستثماريّة بالموازنة العامة للدّولة بنسبة 20%، وأيضاً تم تخفيض مخصصات الدّعم الحكومي بنسبة 50%.
إستمرار الأزمة على مدار الفترة الممتدّة بين عاميّ 2014 – 2019 ثم دخول جائحة كورونا، أدّى إلى فجوة مالية في الموازنة العامة للدّولة، حيث تشير الأرقام المنشورة من وزارة الماليّة بسلطنة عمان إلى أنّ العجز التّراكمي بالموازنة خلال هذه الفترة (2014 – 2019) بلغ 20 مليار ريال عماني، وبلغ المتوسّط السّنوي للعجز 3.3 مليار ريال. كما أنّ الدّين العام قفز من 1.5 مليار ريال عام 2014 (بنسبة 5% من النّاتج المحلي) إلى 20 مليار ريال في عام 2019 (بنسبة 60% من النّاتج المحلي الإجمالي).
في مطلع نوفمبر 2020، إعتمدت الحكومة في سلطنة عمان خطّة للتّوازن المالي والإصلاح الإقتصادي خلال فترة (2020 – 2024)، وتأتي هذه الخطّة لتواكب رؤية عمان 2040، حيث تمّ بناء المحاور الرئيسة للخطّة في إطار الأولويات الاثنى عشر لرؤية عمان 2040. خطّة الاصلاح والتّوازن المالي بنيت على عدّة محاور هي: دعم النّمو الاقتصادي، وتنشيط وتنوّع مصادر الإيرادات الحكومية، وترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعيّة، ورفع كفاءة الإدارة الماليّة العامّة.
وتضمّنت الوثيقة الحكوميّة حول هذه الخطّة، والمنشورة على موقع وزارة الماليّة بالسّلطنة، مجموعة من المبادرات لكلّ محور من المحاور الخمسة، إلّا أن السّمة العامّة لهذه المبادرات، أنّها تتشابه بشكل كبير مع أطروحات خطط الإصلاح في دول الخليج، وتلك التي يوصي بها صندوق النّقد الدولي، وقد لوحظ أنّ تقرير بعثة خبراء صندوق النّقد للسلطنة والمنشور مؤخّراً على موقع صندوق النّقد بتاريخ 12 فبراير 2021، قد أشاد بخطة الاصلاح والتّوازن المالي.
تضمّنت المحاور الخمسة لخطّة الإصلاح والتّوازن الماليّ، نحو 18 مبادرة، ما بين إجراءات حكوميّة لتعديل أو تطوير العمل داخل الحكومة لتحسين الخدمات أو سهولة تقديم المعلومات، أو إنشاء أجهزة جديدة كجهاز الاستثمار، وجهاز الضّرائب وفرض ضرائب جديدة على رأسها ضريبة القيمة المضافة، أو ضبط بنود الإنفاق الحكومي، أو نظام الشّراء الموحّد، وتسهيل الإجراءات المتعلّقة بتشجيع السّياحة، أو توطين الوظائف، وكذلك تشجيع الاستثمار الأجنبي، وترشيد الدّعم الحكومي بحيث يصل لمستحقيه، عبر تنظيم شرائح إستهلاك المياه والغاز والكهرباء.
بلا شك أنّ الوضع الماليّ في سلطنة عمان على مدار فترة 2014 – 2020، كان يتّسم بالأداء السّلبيّ، وهو ما انعكس على الأوضاع الماليّة والإجتماعية وظهرت ملامحه في تقليص الإنفاق العام، والاستغناء عن نسبة كبيرة من العمالة الوافدة، واتخاذ قرارات تتعلّق بالدعم الحكومي، وارتفاع الدّين المحلي، وزيادة عجز الموازنة.
وتقوم خطّة الإصلاح والتّوازن الماليّ على أساس التّحكم في الوضع الماليّ النّاجم عن هبوط أسعار النفط، وإدارة المخاطر النّاتجة عن تراجع أسعار النّفط، وعدم العودة للتّراجع الماليّ المستمرّ، وما يستتبعه من تراجع التّصنيف الائتماني للبلاد. وثمة ملاحظة مهمّة في بنية خطّة الإصلاح، وهي تركيزها على ضرورة، تنمية موارد البلاد غير النّفطية، والتوجّه إلى تفعيل دور القطاع الخاص، وأهمية الاستثمارات الأجنبيّة، وتنشيط السّياحة، وهي مكوّنات مهمة وضرورية.
وتأتي أهميّة خطّة الإصلاح على مدار الفترة من 2020 – 2024، من خلال البيانات المنشورة في وثيقة الإصلاح والتّوازن الماليّ، والتّي تبيّن الآثار السّلبية على الاقتصاد والبلاد بشكل عام، حال عدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات، حيث ظهر أن الآثار السلبية كانت ستصل لمعدلات مرهقة وكارثيّة.
ولعلّ كلمة السّلطان هيثم بن طارق التّي تصدرت خطة الإصلاح، تلخّص طموحاتها ومستهدفاتها “سنحرص على توجيه مواردنا الماليّة التّوجيه الأمثل بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدّخل. وسنوجّه الحكومة بكافة قطاعاتها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة تضع تحقيق التّوازن الماليّ وتعزيز التّنوع الإقتصاديّ واستدامة الإقتصاد الوطنيّ في أعلى سلّم أولوياتها، وأن تعمل على تطوير الأنظمة والقوانين ذات الصّلة بكلّ هذه الجوانب”.
وإذا ما نجحت خطة الإصلاح والتّوازن الماليّ في تحقيق مستهدفاتها بنهاية عام 2024، فستكون النّتائج مشجّعة على صعيد المؤشرات الإقتصادية الكلّيّة، فالخطّة تستهدف أن تصل نسبة الإيرادات غير النّفطية إلى 35% من إجمالي الإيرادات العامّة للبلاد، وأن تتراجع نسبة العجز بالموازنة إلى النّاتج المحلّي لـ 1.7% بدلاً من 15.8% الآن، وأن تكون قيمة العجز بالموازنة 537 مليون ريال من 4 مليارات ريال الآن، وأن تصل الإيرادات الحكوميّة إلى 12.09 مليار ريال، بدلاً من 8.6 مليار ريال حاليّاً.
على الرّغم من أن الأزمة الإقتصادية تنال كافّة دول الخليج، ومن بينها سلطنة عمان، إلّا أنه لا يظهر من تلك الخطّة أو غيرها أن ثمة اعتماد على حلّ جماعي لدول الخليج، يساعد بعضها بعضاً في الخروج من الأزمة. على عكس باقي التّجمعات في أوروبا أو آسيا مثلًا حيث اتجهت هذه التّكتلات إلى التّفكير الجماعيّ ومحاولة الوصول لأدوات مشتركة للخروج من الأزمة. ولعلّ الوصول إلى مصالحة خليجيّة في مطلع يناير 2021، يجعل صانع القرار يعيد النّظر في خطة الإصلاح للإستفادة من هذا العامل وتضمين كيفيّة تفعيله للدّفع بالاقتصاديات الخليجيّة للخروج من أزمتها.
أيضاً تعوّل الخطّة على ضريبة القيمة المضافة، وهي بلا شك عبء جديد على المجتمع العماني بعد أن استمرّت الحكومة في فرض الضّرائب الإنتقائيّة خلال السّنوات الخمس الماضية، وإن كانت خطّة الإصلاح أشارت أنّ القرار أُتّخذ بعد دراسة، وتم استثناء نحو 90 سلعة من ضريبة القيمة المضافة، وكذلك استثناء بعض القطاعات منها مثل قطاع التّعليم والصّحة.
كما أن تعويل الخطّة على السّياحة ضمن محاورها الرّئيسة، يحتاج إلى إعادة نظر، بسبب ما يعانيه قطاع السّياحة على مستوى العالم من تداعيات سلبيّة منذ جائحة كورونا، ويتوقّع أن يستمر الحال بالقطاع خلال الفترة المقبلة، والتي قد تتواكب مع نهاية الخطة في عام 2024، وفي ظلّ سعي كافة دول المنطقة للاستفادة من عودة نشاط السّياحة سيفرض ذلك تحدياً كبيراً على السّلطنة.
تمثّل الخطّة حالة من التّحدي أمام حكومة سلطنة عمان فيما يتعلّق بالتّنوع الإقتصادي وزيادة الإيرادات غير النّفطية، وبخاصة إذا ما شهدت أسعار النّفط بعض التّحسن خلال فترة الخطّة، إذ أنّ الخبرة السّابقة، تنبئ بأن الدّول النّفطية، ومن بينها سلطنة عمان، تعدل عن هذه الاستراتيجيّات وتنحيها جانباً، فور وجود تحسّن في أسعار النّفط بالسّوق الدّوليّة