تذهب تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وجود تحسن طفيف في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي في 2018، ما يمهد الى عودة معدلات النمو في المتوسط لدول الخليج إلى 2.2%، وهي ذات النسبة التي كان عليها معدل النمو في العام 2016 وهي نسبة إيجابية مقارنة بمعدلات النمو المتوقعة لعام 2017 عند 0.5%، وذلك بحسب ما ورد في تقرير الصندوق “آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان وأفغانستان” الصادر في أكتوبر 2017.
وإذ تبدو نسبة النمو 2.2% المتوقعة من قبل صندوق النقد لمنطقة الخليج في 2018 كافية من ناحية إلا أنها ومن ناحية أخرى صعبة التحقيق، وذلك بسبب مجموعة من الظروف التي تمر بها دول الخليج، سواء لأسباب بينية أو أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية في كل دولة، أو البيئة الإقليمية.
يبدو أن دول الخليج عازمة على تطبيق شامل لأجندة صندوق النقد الدولي خلال 2018، وبخاصة فيما يتعلق برفع كامل لدعم الوقود، حيث صرح جهاد أزعور -مسئول منطقة الشرق الأسط وشمال أفريقيا- غير مرة خلال 2017، بأن الوقت مناسب لرفع الدعم بالكامل عن الوقود بدول الخليج، وهو ما نجد عليه شاهد آخر من تقديرات الصندوق عن معدلات التضخم المتوقعة لدول الخليج في عام 2018، لتصل إلى 4.2%، بعد أن كانت 0.8% عام 2017.
من المتوقع أن تستمر اقتصاديات منطقة الخليج في معايشة مشكلاتها الاقتصادية خلال العام المقبل، ولن تصل معدلات النمو الى 2.2% بسبب تلك السياسات الانكماشية التي اتبعتها معظم اقتصاديات الخليج من ناحية، واستمرار الأزمة المالية من ناحية أخرى.
ولا تزال أسعار النفط في السوق العالمي دون المستوى المطلوب لتحقيق تعادل موازنات 5 دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، سلطنة عمان)، وتستثنى دولة واحدة وهي الكويت التي يمكن أن يحقق سعر برميل النفط لأقل 60 دولار التعادل في موازنتها العامة. رغم ذلك، لجأت الكويت منذ مارس 2017 إلى إصدار سندات دولية بنحو 8 مليارات دولار، وتتجه الكويت نحو تقليص استثماراتها العامة بشكل عام، وفي قطاع النفط بشكل خاص، بل تعتزم تخصيص بعض منشآتها العامة في قطاع النفط.
أما عن أسباب استبعاد تحقيق انتعاش لدى اقتصاديات الخليج خلال 2018، فيمكن أن نشير إليها فيما يلي:
التزمت الدول الخليجية الأعضاء في منظمة أوبك بقرار تخفيض الإنتاج حتى نهاية الربع الأول من 2018، وهو ما يعني أن الأسعار الحالية تبقي أزمة الخليج المالية على ما هي عليه، وحتى لو تخلت الدول النفطية الخليجية عن التزامها بعد مارس 2018 عن قرار تخفيض الإنتاج، فليس من صالحها زيادة الإنتاج حيث سيؤدي ذلك إلى مزيد من انخفاض الأسعار نتيجة زيادة العرض في سوق النفط الدولية.
التداعيات السلبية لأزمة حصار الدول الخليجية ومصر لقطر، متشعبة، ومؤثرة بشكل كبير على اقتصاديات جميع أطراف الأزمة، فكلا الطرفين في تسابق محموم على شراء السلاح، والسعي لاستقطاب قوى إقليمية ودولية، ولا يمر ذلك دون ثمن، فثمة وعود واتفاقيات على الأرض بزيادة الاستثمارات من قبل دول الخليج للشركاء الإقليميين والدوليين، وهو ما يعني أن الأزمة سوف تستمر في استنزاف الموارد المالية للدول الخليجية، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي.
وفيما ما يبدو الحل السياسي مستبعدًا بعد فشل قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت بالكويت مؤخرًا، والتدخل العسكري يكبد الجميع خسائر طائلة ويفتح الباب لتدخل اقليمي ودولي، تستمر حالة من الركود والترقب تضرب كافة الأسواق الخليجية بسبب استمرار أزمة حصار الدول الخليجية ومصر لقطر، وهو ما ساعد على تجميد قرارات الاستثمار، كما أدت هذه الأزمة إلى خروج رؤوس الأموال بالفعل إلى دول مجاورة، وأخرى غربية.
زاد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح من تعقيدات الأزمة في اليمن، وسبب إحراجًا كبيرًا للتحالف الخليجي، ومن المتوقع أن يكون لهذه التعقيدات كلفة اقتصادية بلا شك، وإذا كانت التقديرات خلال ما يزيد عن عامين تصل إلى تقدير خسائر هذه الحرب الى نحو 800 مليار دولار، فإن المرحلة القادمة ستكون أفدح من حيث التكلفة الاقتصادية والإنسانية، وإذ توجه في كثير من الأحيان للتحالف العربي في الحرب اليمنية تهم ارتكاب جرائم إنسانية، وفي حالة ثبوت هذه الادعاءات فإنها ستكلف دول الخليج مالياً الكثير، وهو ما سيزيد من تحديات الحرب وكلفتها المالية.
لا يعني استمرار الأزمة اليمنية للخليج اقتصاديًا إلا المزيد من الاستنزاف، وبخاصة للسعودية والإمارات، نظرًا لخروج قطر من التحالف بعد أزمتها مع دول الحصار، والبحرين لا تملك ما يمكنها من دفع أي تكاليف مالية. وفي ظل تأجيل حسم الصراع عسكريًا يصبح الحوثيون مصدر تهديد كبير للسعودية والإمارات عبر امتلاكهم ترسانة صواريخ كبيرة ومتقدمة، وهو ما يفرض على الإمارات والسعودية ضرورة البحث عن أسلحة لمواجهة هذا التهديد، وهو ما يعني دفع المزيد المال للمزيد من صفقات التسليح.
في النصف الأول من عام 2017، أصدرت دول الخليج سندات دولية بقيمة 30 مليار دولار، وحسب ما أوردت وكالة بولمبرج مؤخرًا عن احتمالات مواجهة دول عربية لخطر التعثر في سداد مديونيتها الخارجية، أتت البحرين ضمن هذه الدول، وكثيرًا ما عبر مسئولو البحرين عن أزمتهم المالية وطلبهم للمساعدات من السعودية على وجه التحديد.
وتشير تقديرات صندوق النقد لعام 2018 لاستمرار ظاهرة عجز الموازنات الخليجية، حيث سيصل العجز بموازنة البحرين 11.9%، وسلطنة عمان 11.4%، والسعودية 7.2%، والإمارات 2.2%، وقطر 0.5%. والدلالة السلبية المصاحبة لعجز موازنات دول الخليج هي أن هناك إجراءات تقشفية لا تخطؤها العين، أدت إلى تقليص مساهمة القطاع الخاص، الذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي بمنطقة الخليج.
قادت الإمارات والسعودية منذ عام 2011 دعم ما اعتبر حينها بـ “الثورات المضادة بدول الربيع العربي”، وهو ما كلفها كثيرًا في مصر وتونس واليمن وليبيا، وإذا خرجت الدول الخليجية من سورية خاوية الوفاض لتسيطر دول أخرى مثل روسيا وإيران وتركيا على مسرح الأحداث، لا تزال مصر تشكل عبئاً مالياً كبيراً على السعودية والإمارات، وبخاصة في ظل متطلبات دولة يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة، ولا يلوح في الأفق أن تستغني مصر في الأجلين القصير والمتوسط عن الدعم الخليجي.
بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على أزمة انهيار أسعار النفط، وإعلان دول الخليج تبنيها استراتيجيات التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط لمصدر وحيد، لم تحقق هذه الدول أي نتائج ملموسة يمكن الاعتماد عليها، ولولا التحسن الذي شهدته أسعار النفط منذ منتصف 2016 وحتى الآن، لتجاوز عجز موازنات دول الخليج ضعف ما هي عليه الآن. كما أن المشروعات المعلنة للاستثمارات الأجنبية في منطقة الخليج، لا تبدو مقنعة لتحويل مسار الاستثمارات الدولية من دول المنطقة إلى دول الخليج.