في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين كانت الكتابات المستقبلية في شأن التعليم والتنمية، تشير إلى أنه في مطلع الألفية الثالثة، لن تكون الأمية هي أمية عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، وإنما ستكون الأمية هي عدم الإلمام بعلوم الحاسوب (الكمبيوتر).
ولكن للأسف الشديد، فبعد عقدين من القرن الأول بالألفية الثالثة، يعاني نحو رُبع السكان من البالغين في المنطقة العربية من عدم الإلمام بالقراءة والكتابة.
ويعي الجميع أهمية محو الأمية الخاصة بمعرفة القراءة والكتابة، باعتبارها مدخلا ضروريا للتعامل الرقمي، الذي فرضته ثورة المعلومات والاتصالات، وما تحويه من تكنولوجيات متقدمة.
ولذلك اتخذت الأمم المتحدة شعارا لاحتفائها هذا العام باليوم الدولي لمحو الأمية، المقرر الخميس 8 سبتمبر/أيلول 2022، تحت عنوان "محو الأمية من أجل تعاف محوره الإنسان: تضييق الفجوة الرقمية".
وحسب البيانات المنشورة على موقع الأمم المتحدة، فإن هناك نحو 773 مليون شاب وبالغ من بين سكان العالم، يفتقرون إلى المهارات الأساسية في القراءة والكتابة.
أما واقع الأمية في الدول العربية، فيبينه تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) الإحصائي لعام 2021، بأن هناك 69.4 مليون إنسان ممن هم في الفئة العمرية 15 عاما فما فوق، يعانون من الأمية، وأن المنطقة العربية تستحوذ على نسبة 9% من إجمالي من يعانون الأمية على مستوى العالم
أما التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، فيعطينا تفاصيل أكثر، حيث يبين أن نسبة الأمية في الدول العربية وفق إحصاءات عام 2019، بين الفئة العمرية 15 عاما فما فوق، تبلغ 25.5%، بينما كانت هذه النسبة بحدود 27.3% عام 2011.
أي أنه على مدار ما يزيد على عقد من الزمن، أسفرت جهود التعليم ومحو الأمية في المنطقة العربية، عن تخفيض نسبة الأمية للفئة العمرية 15 عاما فما فوق بنحو 1.8% فقط، وهو ما يضع الحكومات العربية أمام مسؤولية مجتمعية كبيرة.
ويلاحظ أن هذه الفترة (2011 – 2019)، هي التي شهدت الانقلاب على ثورات الربيع العربي، ومرور العديد من الدول العربية بنزاعات مسلحة، وحالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني. وحسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، فإن نسبة الأمية بالدول العربية هي الأعلى بين أقاليم العالم، باستثناء إقليمي جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء.
ويبين التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، أن الأمية بين الشباب في الفئة العمرية 15 – 24 عاما، في عام 2019 بلغت نسبتها بين الذكور 14%، وبين الإناث 16.4%. أما عن الأرقام الإجمالية للأمية بين الشباب في الفئة (15 – 24 عاما) فيبين تقرير "الألسكو" لعام 2021، أنها تصل إلى 9.6 ملايين فرد، وبنسبة 9.7% من إجمالي الأميين في هذه الفئة العمرية على مستوى العالم والبالغ عددهم 99.4 مليون فرد.
وثمة أمر شديد الخطورة يتعلق بارتفاع نسبة الأمية بين الإناث في كل من اليمن، وموريتانيا، والعراق، وجزر القمر حيث تبلغ نحو 50%، في الفئة العمرية 15 عاما فما فوق. أما عن واقع الأمية بين الذكور فنجد أن العراق يستحوذ على النسبة الكبرى من الأمية في الفئة العمرية 15 عاما فما فوق بنسبة 40.2%، ثم موريتانيا 29.1%، ثم السودان 28.8%، ثم جزر القمر 21.8%.
ولكن إذا انتقلنا لمعرفة معدل الأمية بشكل عام في الفئة العمرية 15 عاما فما فوق في مختلف الدول العربية، سنجد أن العراق صاحب النسبة الكبرى من الأمية 49.9%، ثم موريتانيا 46.5%، ثم اليمن 45%، ثم جزر القمر 41.2%.
واللافت للنظر أن العراق صاحب معدلات مخيفة في الأمية، وهي دولة صاحبة حضارة عريقة، ولكن ما آلت إليه أوضاع التعليم وارتفاع معدلات الأمية بالعراق، يرجع إلى ما شهده العراق من فرض عقوبات اقتصادية دولية من عام 1990 وحتى 2003، ثم وقوع العراق تحت وطأة الاحتلال الأميركي الغربي في عام 2003، ثم الفوضى السياسية والأمنية التي يعانيها.
والوضع في مصر يحتاج إلى نظرة خاصة، فإذا كانت نسبة الأمية فيها بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، بنحو 28.8%، فهذه النسبة مقارنة بعدد السكان الذي يزيد على 100 مليون فرد في عام 2019، هي بلا شك توضح أن مشكلة الأمية في مصر كبيرة.
أما عن الدول الأقل من حيث معدل الأمية بين الدول العربية، فنجد أن البحرين هي الدولة الأولى من حيث انخفاض معدلات الأمية بين سكانها في الفئة العمرية 15 عاما فما فوق، بنسبة 2.5%، ثم فلسطين بنسبة 2.6%، ثم الكويت 3.9%، ثم سلطنة عمان 4.3%.
ثمة مدخل يذهب إليه البعض في تقييم الواقع الرقمي في الدول العربية، من حيث استخدام شبكة الإنترنت والهاتف المحمول، ورقمنة المعاملات الحكومية، وهو مدخل معتبر، ولكن المدخل المهم، هو مدى قدرة الدول العربية على إنتاج التكنولوجيا التي تسمح باستخدام تلك الآليات.
فبعض الدول العربية، تتفوق خطوط الهاتف المحمول بها على عدد سكانها، ولكنها لا تنتج أي شيء من مكونات الهاتف المحمول، والواقع يكشف أن الدول العربية، مجرد مستهلك ومستورد للتكنولوجيا.
وفي واحد من المؤشرات المهمة التي تظهرها إحصاءات قاعدة بيانات البنك الدولي، نجد أن صادرات الدول العربية جميعًا من صادرات التكنولوجيات المتقدمة، بلغت 2.8 مليار دولار في عام 2017، بينما صادرات ماليزيا من التكنولوجيات المتقدمة في عام 2020 بلغت 92 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول على إنتاج وتصدير التكنولوجيا، نجد أن بعض الدول العربية، لا يزال يعاني من ارتفاع نسب التسرب من التعليم في مراحل التعليم الأولي، ويظهر ذلك التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021.
وبلغت نسبة تسرب التلاميذ في مرحلة التعليم الأولى بالسودان 38%، وهي النسبة الكبرى بين الدول العربية، تليها جيبوتي 33%، ثم سوريا 32.7%، ثم موريتانيا 23%.
ويرجع ارتفاع ظاهرة التسرب من التعليم في تلك الدول لاعتبارات اقتصادية، حيث تتدنى مستويات المعيشة وتعجز الأسر عن الإنفاق على تعليم أبنائها، لكن الوضع في سوريا يفسره الواقع الذي تعيشه في ظل النزاع المسلح هناك.
تغيب الجهود الإقليمية للقضاء على الأمية في المنطقة العربية، نظرا لفشل مشروع التكامل الاقتصادي العربي، وكذلك معاناة العديد من الدول العربية من النزاعات المسلحة (سوريا، اليمن، العراق، السودان، الصومال، ليبيا) أو عدم الاستقرار السياسي والأمني (تونس، لبنان، مصر).
كما أن الوضع الاقتصادي المتراجع وارتفاع معدلات الفساد في كل من موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر والعراق والسودان، يحدان من القدرة على تبني مشروعات لمحو الأمية، أو زيادة الإنفاق على التعليم.
لذلك سيكون من الصعب القضاء على أمية الإلمام بالقراءة والكتابة في المنطقة العربية في الأجلين القصير والمتوسط، كما يصعب إحراز تقدم ملموس في تحسين أوضاع محو الأمية الرقمية في المنطقة العربية.
فوجود نسبة أمية 25% من السكان البالغين، يعد معوقا كبيرا لإحراز تقدم ملموس في محو الأمية الرقمية، أو الدخول في مجال المنافسة على إنتاج التكنولوجيا بالمنطقة العربية، فتقرير الألسكو يبين أن نصيب المنطقة العربية 2.8% وفق مؤشر تطور التوزيع النسبي للباحثين حسب الإقليم.
المصدر : الجزيرة