شكلت الهجرة من أجل العمل أحد الملامح البارزة في منطقة الخليج منذ عدة عقود، خاصة بعد ظهور النفط، واستمرار التدفقات النفطية، وتأثرت العمالة الوافدة بالخليج بما تعرضت له سوق النفط من أزمات وانفرجات على مدار العقود الماضية، وكان آخر تلك التأثيرات ما حدث بعد أزمة انهيار النفط منتصف يوليو 2014. وقتئذ؛ اتجهت دول الخليج لإجراءات تقشفية أثرت على مداخيل العمالة الوافدة، من خلال رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات، مما يعد خصمًا من دخول العمالة الوافدة، فضلًا عن أن بعض الدول ومنها البحرين، جعلت الدعم قاصرًا على مواطنيها، ولا يتمتع به الوافدون.
أما السعودية، فاتجهت بجانب رفع الدعم، إلى زيادة رسوم الإقامة والمرافقين للعمالة الوافدة، مما جعل جزءًا لا يستهان به من تلك العمالة الآن يعيش غربته وحيدا، مضطراً لإعادة زوجته وأولاده لموطنه الأصلي، كما شهدت سوق العمل السعودية، حملات كبيرة لترحيل العمالة غير الشرعية.
كما تأثرت العمالة الوافدة بأمور سلبية أخرى ترتبط بالظرف الاقتصادي الذي تمر به المملكة، مثل تخفيض الرواتب، أو تأخير صرفها لشهور، وصلت في بعض الأحيان إلى عام كامل. وأصبح تهديد الترحيل وإنهاء العقود يهاجم العمالة الوافدة في السعودية بوجه خاص وفي دول الخليج بوجه عام. وفي الكويت ناقش البرلمان مؤخرًا إمكانية فرض ضرائب على تحويلات العمالة الوافدة، إلا أن الأمر لم يخرج إلى طور التنفيذ، كما لوحظ صدور بعض التصريحات من قبل نائبة بالبرلمان الكويتي، يمكن ادراجها في إطار عنصري، ومُجرم.
وكثيرًا ما تحدثت دول خليجية عن اتخاذ خطوات إيجابية تجاه العمالة الوافدة، فيما يتعلق بطبيعة العقد وعلاقة العمل، والحقوق التي يتمتع بها العامل الوافد، مقارنة بزميله من المواطنين الأصليين. إلا أن الواقع يختلف عن ذلك تمامًا، فقطر مثلًا والتي من المقرر أن تنظم فعاليات كأس العالم لكرة القدم عام 2022، لايزال ملف العمالة الوافدة وحقوقها أحد الأوراق التي تثار في المحيط العالمي ضد قطر.
لا تزال قضية الخلل السكاني بدول الخليج تمثل تحديًا استراتيجيًا، فباستثناء السعودية، يزيد عدد الوافدين عن السكان الأصليين في دول الخليج، ولذلك يعجز السكان الأصليين بتلك الدول عن الوفاء بمتطلبات تسيير متطلبات الحياة، وبخاصة بعد التوسعات الاقتصادية والتنموية، منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين.
وحتى في السعودية، لا يزيد عدد المشتغلين السعوديين من قوة العمل البالغ عددها نحو 11.5 مليون عامل، عن 2 مليون عامل فقط، وبفرض أنه تم تشغيل جميع العاطلين من المواطنين السعوديين، والبالغ عددهم نحو 580 ألف فرد، فلن يكون هناك أي امكانية للاستغناء عن العمالة الوافدة التي تمثل قرابة 30% من السكان المقيمين في البلاد.
ويتكرر نفس الأمر في قطر ولكن بصورة أكبر، فعدد المشتغلين القطريين 102 الف من إجمالي 1.9 مليون فرد، هم إجمالي المشتغلين من قوة العمل، بينما يساهم العمال الأجانب بنحو 1.8 مليون فرد من إجمالي المشتغلين. وفي دولة الإمارات تُفيد البيانات المنشورة على البوابة الالكترونية للحكومة بأن عدد العمالة الوافدة يبلغ 4.4 مليون عامل يمثلون 96% من القوة العاملة، بينما عدد سكان الإمارات الأصليين بحدود 947 ألف، يقابلهم 7.3 مليون من الوافدين.
وفي الكويت يصل عدد العاملين الوافدين نحو 1.6 مليون عامل، بينما عدد العاملين من المواطنين الأصليين 347 ألف مواطن. وفي البحرين تصل العمالة الوافدة لنحو 600 ألف بينما العاملون من المواطنين بحدود 90 ألف. أما سلطنة عمان فيصل عدد العمالة الوافدة لنحو 2 مليون عامل.
غير مرة أعلن على مستوى مجلس دول التعاون الخليجي، أو بشكل منفرد لكل بلد، عن استراتيجية لتوطين العمالة، وصدرت بذلك قرارات لتفعيل هذا الأمر، ولكن النتيجة النهائية بعد مرور عشرات السنين على هذه الإعلانات أن هذه الاستراتيجيات غير ناجعة، بسبب أوضاع تتعلق بطبيعة العمالة الخليجية وما أنشأت عليه من ثقافات سلبية تجاه بعض المهن والوظائف، مثل الوظائف الحرفية، وكذلك عجز مؤسسات التعليم عن الوفاء بمتطلبات سوق العمل.
والأمر الثاني هو أن معدلات النمو السكاني، لم تسعف السوق الخليجي بعد باليد العاملة التي يمكن من خلالها سد عجز الموارد البشرية. فبفرض أن استراتيجية التوطين نجحت في تشغيل جميع العاطلين بدول الخليج، فلن يغني ذلك عن استقدام العمالة الوافدة، ففي حالة السعودية وهي أكبر دول الخليج من حيث عدد السكان، لو تم تشغيل جميع العاطلين والبالغ عددهم نحو 580 ألف عاطل، فلن يؤثر هذا الأمر بشئ على عدد العاملة الوافدة والتي يزيد عددها عن 9 مليون عامل.
ثمة حزمة من المشكلات تواجه العمالة الوافدة في دول الخليج، على رأسها ما يعرف بنظام “الكفيل” وهو شخص من مواطني الدول المستقبلة للعمالة، سواء كان هذا الشخص طبيعي أم شخصية اعتبارية، من حقه مجموعة من الممارسات غير المقبولة قانونًا، مثل الحجز والتحكم بجواز سفر العامل الوافد، وإعطائه له عند مغادرته البلاد لقضاء الإجازة السنوية، أو بعض الأمور التي تستلزم منه إبراز جواز السفر خلال فترة عمله.
وكذلك حق الكفيل في إنهاء وجود العامل بالدولة الخليجية في حالة فسخ عقد العمل، فضلًا عن أن إمكانية التقاضي من قبل العامل لحصوله على مستحقاته وفق بنود العقد شبه مستحيلة، وإذا تمكن من الحصول على مستحقاته، فيكون انهاء عقده من قبل الكفيل هو أسهل الحلول.
لا تعرف غالبية أسواق العمل الخليجية وجود المنظمات العمالية، وإن وجدت فهي تخص المواطنين، ولا يحق للعمالة الوافدة المشاركة في هذه المنظمات، فضلًا عن أن هذه المنظمات لا تعبر عن مجتمع العمال من حيث تشكلها، وتكوين مجالس إداراتها عبر آلية الانتخاب.
وفي ظل المناخ السياسي الذي تعيشه دول الخليج، يخشى من أن تمارس المنظمات العمالية دورًا، يرشد المجتمع إلى ضرورة الحياة الديمقراطية، ووجود عقد اجتماعي جديد، بعيد عن توريث السلطة والثروة، ولذلك هناك تحجيم كبير لدور المنظمات العمالية، وما أقيم منها فهو صوري، ولا يمارس دور حقيقي.
لا يعطي وجود العامل لفترة طويلة في دول الخليج الحق في الحصول على الجنسية. وذلك على خلاف العديد من الدول، وبخاصة في أوروبا التي تمنح جنسيتها للأفراد الذين عاشوا فيها لفترات زمنية متواصلة، وكان لديهم سجل خال من المخالفات القانونية والاخلاقية، أو من لديهم ثروات مالية ومساهمات اقتصادية واجتماعية.
عدد قليل جدًا من العمالة الوافدة حصل على جنسية دول خليجية، ولكن لا يعدو الأمر أكثر من كونه حالات وليس ظاهرة. وبلا شك أن دول الخليج لم تستفد من تجارب دول مثل أمريكا وكندا واستراليا في تجنيس المهاجرين إليها، أو العاملين بها، وكسب ولائهم، ويمنع دول الخليج من الإقدام على هذه الخطوة طبيعة تكوين الدولة وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أما مستقبل حقوق العمالة الوافدة في الخليج، فلا يبشر بالخير، في ظل ما تعيش المنطقة، وما تفرضه مصالح دول عربية وغير عربية، تمثل حقوق العمال أخر اهتماماتها.