ثمة إقرار بشمول أزمة كورونا وأنها لم تترك مجالًا إلا وأثرت فيه بصورة سلبية. وكان من بين هذه الجوانب التي تضررت بشكل كبير، أوضاع العمالة الوافدة بدول الخليج.
وحسب تقديرات الجهات الإحصائية المختلفة لدول الخليج، هناك قرابة 21 مليون عامل وافد في منطقة الخليج، وتُعد السعودية أكبر دول الخليج من حيث حصتها من العمالة الأجنبية الوافدة بنحو 9.7 مليون عامل، تليها الإمارات بنحو 5 مليون عامل، وتتقارب حصة كل من الكويت وقطر بما يزيد عن 2 مليون عامل لكل منهما، ثم سلطنة عمان بقرابة 1.9 مليون عامل، وتعد البحرين الأقل من حيث حصتها من العمالة الوافدة بنحو 594 ألف عامل.
ولم يكن هاجس توطين العمالة في دول الخليج يمثلُ تهديدًا حقيقياً للعمالة الوافدة بسبب الخلل في البنية والتركيبة السكانية في منطقة الخليج، وباستثناء السعودية، تمثل العمالة الوافدة ما يزيد عن ثلثي عدد المقيمين (مواطنين + وافدين) في دول الخليج. تعتبر العمالة الوافدة وجودها مسألة استراتيجية لدول الخليج، فلا يمكن الاستغناء عنها، في السعودية وهي أكبر دول الخليج، يمثل عدد العاملين من المواطنين ما يزيد بقليل عن 3 مليون عامل، بينما يصل عدد العمالة الوافدة إلى 9.7 مليون عامل.
وشهد ملف العمالة الوافدة في دول الخليج تأثيرات سلبية منذ أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، من حيث قرارات تقليص عددها، أو تخفيض رواتبهم، أو الإجراءات التقشفية التي اتخذتها دول الخليج، بسبب وضعها المالي المتراجع.
ومع التداعيات السلبية لأزمة كورونا تزايدت الـتأثيرات السلبية على العمالة الوافدة في القطاعين العام والخاص ونال العاملين الأجانب قسطًا كبيرًا من قرارات التسريح، وبخاصة في القطاع العام، كما رأينا في قطاع الطيران مثلًا حيث أُعلن عن قرار بتسريح نحو 1500 عامل أجنبي في الخطوط الجوية الكويتية والإعلان عن قرار بتخفيض العمالة الاجنبية بنحو 20% في الخطوط القطرية.
وفي ظل هذه الأوضاع المالية والاقتصادية من المتوقع أن تتأثر العمالة الوافدة، بشكل كبير، من حيث ما تحصل عليها من رواتب أو مزايا أخرى تتعلق بطبيعة العمل، خاصة أن علاقة العمل في الخليج يشوبها الكثير من جوانب النقص، فضلًا عن غياب النقابات أو الكيانات التي تعمل على حماية حقوق العمال، وفيما يلي نشير إلى جوانب الأثمان التي ستتكبدها العمالة الوافدة بالخليج في ظل أزمة كورونا، بسبب غياب سياسات منظمة لسوق العمل هناك.
وفق آخر الأرقام المنشورة، فإن تحويلات العمالة الوافدة بمنطقة الخليج خلال الفترة من 2011 – 2019، بلغت ذروتها في عام 2016 حيث وصلت إلى 120.2 مليار دولار، بينما تراجعت في عام 2019 إلى 113.1 مليار دولار. وجدير بالذكر أن 80% من تحويلات العمالة الوافدة بالخليج تتجه نحو جنوب وشرق آسيا، بينما تستفيد الدول العربية فقط بنسبة 20%.
وبنهاية عام 2020 قد لا تقل تحويلات العمالة الوافدة في الخليج كثيرًا، قد يعود ذلك إلى التسويات التي تتم لإنهاء خدمة بعض العاملين وحصولهم على مكافآت نهاية الخدمة، أو قيامهم بتصفية أعمالهم وبيع بعض الأصول التي يمتلكونها لتصفية أوضاعهم. لكن قد تلجأ المؤسسات والشركات الخليجية في القطاع الخاص، إلى عدم الوفاء بمستحقات العمالة الوافدة تحت مظلة الظروف القاهرة، أو في بعض الأحوال، قد تُقر هذه المستحقات على أن يتم “الوفاء بها” لاحقًا.
بطبيعة الحال، هناك فئة من العمالة قد لا تحصل على أية مستحقات لطبيعة عقود العمل أو طبيعة وجوده في الخليج من خلال ما يسمى بـ “التأشيرات الحرة”، التي تعطي صاحبها الحق في العمل في أكثر من مكان، وأكثر من مجال، وهؤلاء سيكونون أكثر العمالة تضررًا في إثبات حقوقها، أو مواجهة مخاطر التبعات الخاصة بالركود والانكماش بالاقتصاديات الخليجية. هؤلاء الأجانب، الذين يحصلون على “تأشيرات حرة” عادة ما تكون أعمالهم غير دائمة، ومن هنا سيتحملون كافة التبعات ولن يكون لهم أي نوع من الدعم، سواء من الحكومة أو أصحاب المؤسسات، وقد لا يجد بعضهم ثمن تذاكر العودة لبلدانهم.
ثمة تقديرات صدرت مؤخرًا للبنك الدولي، بشأن تراجع تحويلات العاملين على مستوى العالم بنحو 20% خلال عام 2020 بسبب أزمة كورونا، وقد تظهر التداعيات السلبية لأزمة كورونا على تحويلات العمالة في الخليج بشكل أكبر في عام 2021، حيث ستكون الحكومات الخليجية، وكذلك القطاع الخاص بها، قد استقروا على أعداد العمالة الأجنبية المطلوب الاحتفاظ بها، وكذلك وضع شروط العمل الجديدة من حيث المستحقات المالية للعمالة الوافدة.
بشكل عام، لا توجد قواعد منظمة لأجور العمالة الوافدة في منطقة الخليج، وبالتالي عدم وجود حد أدنى للأجر أو الدخل. سوف يتسبب هذا الأمر في أضرار وازنة لما يمكن أن نسميه العمالة المهمشة، مثل العاملين في قطاعات النظافة ورعاية الحدائق، أو العاملين في قطاعات التشييد والبناء، أو العاملين في شركات الصيانة الخاصة بالعقارات وغيرها من الأعمال التي تتطلب جهدًا عضليًا.
وفي إطار الإجراءات الوقائية التي تتخذها الحكومات الخليجية، قد تشترط على هذه العمالة تخفيف كثافة المقيمين في السكن الواحد، بحيث يكون لكل فرد غرفة وهو ما يعني زيادة الأعباء المالية على هؤلاء العمال، بسبب زيادة الإنفاق على ايجار السكن، وبالتالي تراجع قيمة مدخراتهم التي هي منخفضة بطبيعتها، نظرًا للأجور المتواضعة التي يتعاقدون عليها.
وبشكل عام، سوف تدفع العمالة الوافدة بالخليج ثمنًا باهضًا لغياب سياسات العمل هناك، يتمثل في تراجع الوضع الاجتماعي لأسرهم في بلدانهم الأم أو حتى تلك الأسر التي تقيم معهم، وبخاصة تلك الفئة من العمالة التي تتواجد من خلال “التأشيرات الحرة” حيث ستتأثر دخول هذه الأسر، وقد تكون الآثار أكبر في بلدان جنوب وشرق آسيا، حيث تنحدر منها أعداد ليست بالقليلة من “العمالة المهمشة” التي عادة ما تعول أسرًا كبيرة، وهو ما يعني زيادة معدلات الفقر في هذه الدول.
تحت وطأة الأزمة الاقتصادية في ظل السيناريوهات المفتوحة لأزمة كورونا وتصدع الوضع المالي لبلدان الخليج، من الوارد بنسبة كبيرة، أن تعيد الأسر في دول الخليج ترتيب أولوياتها وأن تستغني عن بعض العمالة بالمنازل، توفيرًا للنفقات، وبخاصة أن حكومات الخليج، سوف تتوسع في الإجراءات التقشفية، بسبب عدم وضوح البعد الزمني لانتهاء أزمة كورونا. ما يزيد الطين بلة، الحديث عن مخاطر موجة ثانية من فيروس كورونا بحلول أكتوبر 2020.
من المتوقع أن تشهد منطقة الخليج خلال الفترة القادمة مغادرة عدد لا بأس به من عمالة المنازل، وهو ما يعني المساهمة في تخفيف تحويلات العمالة الأجنبية في الخليج من جانب، ومن جانب آخر وجود آثار اجتماعية سلبية على أسر هؤلاء العمال في بلدانهم.
وقد يكون من الدروس المستفادة لهذه الأزمة للعمالة الوافدة بالخليج، ضرورة وجود هيئة مستقلة تجمعهم وتحمي مصالحهم، وتعمل على تشكيل صندوق تأميني مقابل اشتراك إجباري يوضع كشرط بعقود العمل لتعويض العمال الأجانب عن خسائرهم في مثل هذه الظروف القاهرة.