الرئيسية / السودان / صراع المعونات الخليجية في ربيع السودان: مَن ينتصر؟

صراع المعونات الخليجية في ربيع السودان: مَن ينتصر؟

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-01-2019
  • 117
صراع المعونات الخليجية في ربيع السودان: مَن ينتصر؟
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

مع الأحداث التي شهدها السودان في الشهر الأخير من عام 2018، سارعت دول خليجية لمساعدة السودان للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي كانت نواة أحداث السودان، وثمة ملاحظة مهمة في أداء الخليج تجاه أحداث السودان، وهي أنه في الوقت الذي أعلنت فيه قطر عن تقديم مليار دولار بعد أيام كمنحة عاجلة بعد الأيام الأولى من اندلاع الأحداث لم تقف دول المعسكر الخليجي الأخر مكتوفة الأيدي، وهي الإمارات والسعودية، فأعلنت الدولتان عن دعمهما للنظام في السودان.
وإن كانت كل من السعودية والإمارات لم تعلن عن برامج محددة للمساعدة الاقتصادية للسودان خلال الفترة الحالية أو القادمة، إلا أنه على الأرض بدأت تظهر آثار تلك المساعدة، حيث تراجعت حدة الأزمة في السودان، سواء عبر طوابير الوقود، أو الخبز، وقد وعد النظام السوداني بحل أزمة السيولة والنقد الأجنبي، وهو أمر لن تتمكن منه السودان، دون الحصول على دعم خارجي يمكنها من توفير العملات الأجنبية.
ويعد موقف السعودية والإمارات امتدادًا للتعاون مع السودان في ملفات سياسية إقليمية، حيث يساهم السودان بتقديم جنوده لمساندة التحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن، وإن كانت المساعدات الاقتصادية الخليجية لم تنقطع عن السودان خلال السنوات القليلة الماضية. فحسب إحصاءات التقرير السنوي للبنك المركزي السوداني عن عام 2017، تبين أن دول الخليج قدمت عبر صناديقها الإنمائية 1.13 مليار دولار كقروض خلال الفترة 2013 – 2017، كما قدمت دول الخليج أيضًا من خلال هذه الصناديق منحًا سلعية للسودان خلال نفس الفترة بنحو 117.2 مليون دولار.
ولكن يلاحظ أن الكويت كانت هي الدول الأكثر سخاءًا في منحها للقروض والمنح السلعية التي قدمتها دول الخليج للسودان خلال هذه الفترة، فمن بين القروض التي بلغت 1.13 مليار دولار، قدمت الصناديق الإنمائية الكويتية 725 مليون دولار، وبما يعادل نحو 64% من إجمالي تلك القروض. وفيما يتعلق بالمنح السلعية من دول الخليج للسودان خلال نفس الفترة، كان نصيب الكويت نحو 107 مليون دولار، وبما يعادل نسبة 91% من إجمالي تلك المنح.

الدور الغائب

المتابع للشأن الخليجي فيما يتعلق بتقديم المساعدات للسودان، يجد أنها مساعدات يغلب عليها صفة الاستمرار، ولكن مع هذه الاستمرارية، إلا أنها تعد معالجات في الأجل القصير، وبمبالغ صغيرة، لا تناسب احتياجات السودان. فحصول السودان على النقد الأجنبي عبر الودائع الخليجية، مهما تعددت لن تستطيع سد هذه الفجوة، ولكن يمكن أن تكون هناك آلية أفضل وهي اسيتراد دول الخليج لمنتجات زراعية من السوق السوداني عبر عقود طويلة الأجل، ووفق شروط تضمن مصالح الطرفين.
أو ضخ استثمارات في القطاعات الإنتاجية، بحيث تستهدف هذه الاستثمارات السوق السوداني، وليس التصدير، بما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة ومستمرة لأبناء السودان، وكذلك تحسين أداء الناتج المحلي الإجمالي للسودان.
وقد تكون الكويت هي الدولة المؤهلة للقيام بهذا الدور بصورة أفضل من بقية الدول الخليجية، حيث أنها تمثل ما يمكن أن نطلق عليه موقف حيادي من الازمة الخليجية، وكذلك عدم انخراطها بشكل كبير في إدارة الملفات ضد ثورات الربيع العربي. وإن كانت الكويت دعمت بعض مخططات السعودية والإمارات لتدبير الانقلاب في مصر.

أهداف المساعدات الخليجية للسودان

ليست السودان هي الدولة الوحيدة بالمنطقة العربية التي تحصل على مساعدات أو قروض خليجية، سواء من خلال الصناديق الإنمائية أو من حكومات دول الخليج بشكل مباشر، ولكن شأنها شأن باقي الدول، حيث تعتمد استراتيجية المساعدات والقروض الخليجية سياسة عدم إخراج الدول الفقيرة أو طالبة المساعدة من أزمتها الاقتصادية بشكل كامل، أو أن تصل الدول الفقيرة والمأزومة اقتصادية في المنطقة لحالة من التنمية، تساعدها على أن يكون لها القرار المستقل في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية. وهو ما ستمارسه دول الخليج التي ستقدم للسودان مساعدات وبعض القروض التي تمثل حلًا في الأجل القصير، أو ما يمكن أن نسميه مسكنات، دون أن يصل السودان لحالة الاستغناء عن المساعدات، أو أن يحقق حالة من المشاركة الاقتصادية الحقيقية، القائمة على استثمارات مباشرة تنهض بالاقتصاد السوداني.
وبلا شك أن المال الخليجي أصبح له دور سياسي بارز في المنطقة وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي، وذلك مخافة أن تمثل هذه الثورات حالة نجاح، وتصبح تهديدًا مباشرًا للسلطة القائمة في دول الخليج الآن، لذلك انحازت غالبية دول الخليج بشكل مباشر في دعم الثورات المضادة، وأعلنت الإمارات مؤخرًا عن فتح سفارتها في سورية، وأشار الرئيس الأمريكي ترامب إلى أن السعودية سيكون لها دور في تمويل إعادة الإعمار في سورية.
وخلال أزمة السودان في ديسمبر 2018، خرج الرئيس السوداني ليعلن بأن دولة ما، ولم يسمها، عرضت عليه المساعدة في الخروج بشكل كبير من الأزمة الاقتصادية، مقابل أن يغير من توجهاته السياسية، تجاه بعض الدول والجماعات، مثل قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، وأكد البشير أنه رفض العرض.
تبدو الفرصة مواتية لمحور (السعودية -الإمارات) لتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية للسودان، لممارسة ضغوط لإحداث تحول على الأداء السياسي لنظام البشير، الذي حرص خلال الفترة الماضية أن يلعب دور المحايد، من خلال حرصه على إقامة علاقات مع الجميع، ففي الوقت الذي يشارك في السعودية والإمارات بقوات مسلحة للمساعدة في حرب اليمن، يسمح لتركيا بالتواجد في منطقة سواكن، ومع وجود علاقات إيجابية مع كل من قطر وتركيا.
ولكن الفترة المقبلة ستمثل اختبارًا قويًا لطبيعة الدور الذي تمارسه دول الخليج والسودان، وذلك من خلال التوجهات السياسية خلال الفترة القادمة، هل سينجح المال الخليجي في تغيير استراتيجية السودان؟ أم سيكون الصراع الخليجي من أهم عوامل احتفاظ السودان بنهج إرضاء الجميع، من أجل استمرار المساعدات والقروض، ومآرب أخرى؟

الصراع الخليجي

الأزمة التي بدأت في السودان مؤخرًا، كانت بواعثها ومنطلقاتها اقتصادية اجتماعية، وكما أشرنا من قبل، أن كلا الطرفين الخليجيين المتصارعين (محور السعودية والإمارات ضد قطر) سوف يسعيان خلال الفترة المقبلة لممارسة دور فاعل في السودان، لكي يبقى على الأقل يمارس دوره في علاقات متوازنة بين الطرفين، ولن يترك أي طرف السودان ليكون منحازًا للطرف الأخر.
وهو ما سيمثل وضع أمثل في السودان، ليكون المال الخليجي حاضرًا في الأجلين القصير والمتوسط على الأقل، فهو المنقذ في الأزمات، التي يتوقع لها ألا تنقطع، بسبب غياب وجود مشروع تنموي في السودان، ويبقى التحدي أمام النظام السوداني أن يغير من طبيعة العلاقة (السيواقتصادية) مع دول الخليج، ليستطيع أن يؤسس لمشروع تنموي جاد عبر المال الخليجي.
وعلى الجانب الخليجي يبقى التحدي أيضًا في أن يحقق السودان ازدهارًا اقتصاديًا ليحقق للمال الخليجي أكثر من هدف، بحيث تكتفي السودان ذاتيًا من احتياجاتها الزراعية والغذائية، وأن تصبح كذلك مصدرًا أمنًا لإمداد الخليج باحتياجاته من المنتجات الزراعية والغذائية. وعلى الرغم من أن هذا الهدف من الأهداف التي يمكن أن يجتمع عليها الطرفان الخليجيان، إلا أن اختلاف التوجهات السياسية وحالة الصراع بعد أزمة حصار قطر، أوجدت خليجًا أكثر تفككًا.