بعد مضي نحو 22 عاماً على نشأة منظمة التجارة العالمية، تأمل السودان أن تحظى بعضويتها مع نهاية 2017، إذ أعلن أحمد حسن أحمد طه، المفاوض السوداني مع المنظمة، عن استيفاء بلاده كافة الشروط التي تؤهلها لعضوية المنظمة، وأن السودان بصدد استقبال وفد من المنظمة للاطلاع على ما اتخذ من إجراءات في السودان لنيل عضوية المنظمة باجتماعاتها في الأرجنتين نهاية عام 2017.
وينتظر السودان على صعيد آخر رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل أميركا، خلال شهر أبريل/ نيسان الحالي، وبخاصة تلك العقوبات المفروضة على النظام المالي والمصرفي السوداني. وهو ما يفتح الباب للتنبؤ بمزيد من الانفتاح الاقتصادي على العالم، ما دفع الحكومة السودانية لإجراء تعديلات مهمة على قانون الاستثمار، بما يسمح بتدفق أكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد سبقت السودان إلى عضوية المنظمة 11 دولة عربية، وهناك دول أخرى تبحث عن عضوية المنظمة، بالإضافة إلى السودان، وهي الجزائر واليمن وليبيا. لكن ظروف الحرب الأهلية التي تمر بها اليمن وليبيا تحول دون إتمام انضمامهما للمنظمة.
ونشير فيما يلي لوضع التجارة الخارجية للسودان، ثم نتحدث عن الفرص والتحديات التي تجلبها عضوية منظمة التجارة للسودان.
تتسم التجارة الخارجية للسودان بالتواضع من حيث القيمة، نظراً لكونها من الدول الأشد فقراً على مستوى العالم.
فحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016، فإن حجم التبادل التجاري للسودان خلال الفترة من 2011 – 2015 لم يتجاوز 19.4 مليار دولار في أفضل التقديرات في عام 2011، قبل انفصال جنوب لسودان، حيث كان النفط يمثل سلع مهمة في الصادرات السودانية، ويعتبر عام 2011 هو العام الوحيد خلال الفترة 2011 – 2015 الذي حققت فيها السودان فائضًا تجاريًا بنحو 957 مليون دولار.
ولكن بعد انفصال السودان في يوليو 2011، اصيبت الصادرات السودانية بصدمة كبيرة، حيث كان النفط يمثل أكثر من 50% من الصادرات السلعية للسودان، ويعد عام 2014 هو الأفضل للسودان من حيث الصادرات السلعية بعد انفصال جنوب السودان حيث بلغت الصادرات السلعية 4.45 مليارات دولار، ثم انخفضت في عام 2015 لتصل إلى 3.16 مليارات دولار.
وتكمن مشكلة التجارة الخارجية لهذا البلد في هيكل الصادرات، إذ يعتمد على المواد الخام والسلع الأولية. فالتقرير السنوي لبنك السودان المركزي لعام 2015، يبين أن صادرات الثروة الحيوانية تشكل 28.7% من إجمالي الصادرات السلعية، تليها السلع الزراعية بنسبة 26.3%، ثم السلع المعدنية بنسبة 23.8 %، ثم الصادرات النفطية 19.8%، وفي المرتبة الأخيرة المواد المصنعة بنسبة 0.7%، والمواد المصنعة تمثل أقل نسبة في الصادرات بأقل من 1%، وهو ما يعني أن السودان لا يعرف الصناعة، وهو تحد كبير في ظل اتجاه البلاد للاندماج في الاقتصاد العالمي واتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
لكن ماذا ستضيف عضوية منظمة التجارة للسودان؟
لا شك في أن إقدام الخرطوم للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية، له عدة أسباب، منها زيادة درجة الاندماج في الاقتصاد العالمي، وخاصة أن الأمر يأتي بعد رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية الأميركية عن البلاد، فالسودان يتمتع بعضوية مجموعة من التجمعات التجارية الإقليمية، ولكنها في معظمها لا تعدو أن تكون أكثر من تجمعات لدول نامية، لديها منتجات متنافسة وليست تكاملية، تضم مجموعة من السلع الأولية أو في أحسن تقدير الصناعات التقليدية. ويحظى هذا البلد بعضوية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وكذلك التجمعات التجارية الأفريقية مثل الكوميسا.
كذلك تستفيد السودان من مزايا منظمة التجارة التي تمنحها للدول الأشد فقرًا، حيث تتمتع هذه الدول بمزايا استثنائية في التجارة الدولية. بما يتيح مساحات أوسع للتحرك تجاريًا مع البلدان المتقدمة، وقد يسمح ذلك للسودان بجلب تكنولوجيا متقدمة، تساعد على تغيير هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك التجارة الخارجية للسودان.
خلل مشروع التنمية بالسودان ينعكس على باقي مكونات النشاط الاقتصادي، وما لم يتم تبني مشروع تنموي حقيقي، سيكون انفتاحه بشكل أكبر على الاقتصاد العالمي شديد السلبية، وسيبقى مجرد سوق لسلع الدول الأخرى.
أما عن أبرز التحديات الأخرى التي تنتظر السودان بعد انضمامه لمنظمة التجارة العالمية فهي كالتالي:
1- انضمام السودان لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، دون إعادة هيكل قطاعاته الاقتصادية لمواجهة المنافسة العالمية، سيزيد من مشكلات تلك القطاعات، إذ لا يوجد مجال للمنافسة بين المنتجين السودانيين ومنتجي الدول أعضاء منظمة التجارة، وهو ما يتطلب أن يحصل السودان على فترة انتقالية مناسبة لتأهيل قطاعاته الاقتصادية، مثل قطاع الصناعة، أو الزراعة، أو الخدمات.
2- يعاني السودان من مشكلات كبيرة تتعلق بالفساد في القطاعات الحكومية، حيث يصنف ضمن أفسد 10 دول في العالم، ومن أبرز القطاعات التي تعاني من الفساد وتتعلق بمجال عمل منظمة التجارة العالمية، قطاع الجمارك، حيث تنتشر عمليات التهريب والرشوة، وهو ما يجعل السودان بلداً غير مرغوب فيه لممارسة التجارة العالمية، أو أنشطة الخدمات التي تنضوي تحت لواء عمل منظمة التجارة العالمية.
3- انضمام السودان لعضوية منظمة التجارة ليس إنجازاً في حد ذاته، ولكنه يفرض عليه تبعات المنافسة، والتي قد تكون البلاد غير مؤهلة لها، ولكن المنظمة على الرغم من إعطائها بعض المزايا للدول الأشد فقرًا، إلا أنها تبنت مبدأ "انتهاء ظاهرة الركوب مجاناً" منذ الإعلان عن نشأتها في 1995.
4- استمرار تراجع الصادرات السودانية لتصل إلى 3.1 مليارات دولار في 2015، بعدما كانت 10.1 مليارات دولار في 2011، يكرس لاستمرار العجز التجاري، وأن السودان غير مؤهل للمنافسة العالمية، بل قد تشهد المنتجات الزراعية والمواد الأولية منافسة من قبل المنتجات الأجنبية، ما لم يطلب هذا البلد حماية خاصة لمنتجاته باعتباره ضمن حزمة الدول الأشد فقراً.
5- يلاحظ أن معدل الواردات السودانية خلال الفترة 2011- 2015، لم يقل عن 9 مليارات دولار، وهو مرشح للزيادة بقوة بعد انضمام السودان لمنظمة التجارة، وستخلق زيادة الواردات المزيد من الضغوط على العملة المحلية للسودان، مما سيضعف من قيمتها، وهو أمر لا يتناسب وأوضاع السودان الاقتصادية المتراجعة.
6- لا ينبغي أن يبنى السودان آمالًا على أن عضويته في منظمة التجارة العالمية ستقوي من وضعه الاقتصادي أو زيادة حصته من التجارة العالمية، فزيادة الحصة من التجارة العالمية مرهون بزيادة الإنتاج والإنتاجية في السودان.
ومنظمة التجارة العالمية، منذ نشأتها لم تجن منها الدول النامية المزايا التي وعدت بها من الدول المتقدمة، والمتمثلة في نقل التكنولوجية، ووجود تجارة عادلة. لقد وقفت منظمة التجارة العالمية موقف العاجز أمام طموحات أميركا ورفضها لحرية التجارة، وفرض المزايا على حماية التجارة ضد منتجات المانيا والصين.
فما بال الدول النامية ومنها السودان، لتأمل في الحصول على مزيا من عضوية منظمة التجارة العالمية؟
السودان بدخوله منظمة التجارة العالمية سيكون حاضراً كعضو جديد في المنظمة، ولكن العبرة بالمشاركة وليس بالحضور فقط، فغالبية أعضاء منظمة التجارة العالمية من الدول النامية لا يشعر بهم أحد، على الرغم من معاناتهم التجارية.