إذا لم ينتهِ الصراع المسلح بالسودان في أقرب وقت، فسيكون له نتائج شديدة السلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية، وكذلك على صعيد مستوى المعيشة للأفراد والأسر.
زادت الاشتباكات المسلحة صباح اليوم السبت بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني من حدة المشكلات التي يعاني منها السودان، وبخاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وكان السودان قد اتخذ مجموعة من الإجراءات الاقتصادية بعد إزاحة حكم الرئيس السابق عمر البشير، وأدت تلك الإجراءات إلى تخفيض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم، إلا أنها مهدت الطريق للتواصل مع المؤسسات المالية الدولية.
واستفادت السودان في عام 2021 بمبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وتم تخفيض ديونها الخارجية من 77.2 مليار دولار في عام 2020 إلى 62.4 مليار دولار في عام 2021، إلا أن تدهور الأوضاع السياسية في البلاد في نهاية عام 2021 عطلت نتائج هذه المبادرة، كما جمدت المفاوضات مع دول أعضاء نادي باريس.
وبلا شك أن نشوب الصراع المسلح في السودان، واستمراره خلال الفترة القادمة، سيعقد الأوضاع الاقتصادية على الصعيد المحلي والخارجي، وستكون أولوية الإنفاق لدى طرفي الصراع، ليس التعليم أو الصحة أو البنية الأساسية، ولكنه سيوجه بشكل كبير للتسليح، ولمتطلبات الصمود في هذا الصراع.
إذا لم ينتهِ الصراع المسلح بالسودان في أقرب وقت، فسيكون له نتائج شديدة السلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية، وكذلك على صعيد مستوى المعيشة للأفراد والأسر.
فالناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ في نهاية عام 2021، 34.3 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي، كما أن معدل النمو الاقتصادي بلغ 0.3% في نهاية 2022، وفق تقديرات البنك المركزي بالسودان، ومن شأن تصاعد الصراع المسلح أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي للتراجع من حيث القيمة ومعدلات النمو.
وهنا ستكون النتيجة الحتمية، زيادة معدلات الفقر والبطالة، فالإحصاءات المتاحة تبين أن معدل الفقر في السودان عند 46.5%. كما أن معدل البطالة، وفق تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، بلغ 19.8% في عام 2021. والجدير بالذكر أن الأرقام المعنية بمعدلات البطالة والفقر لا تعكس الواقع بالضرورة، لأن المؤسسات الإقليمية والدولية تستقي بياناتها من الحكومة السودانية.
ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فاستمرار الصراع المسلح في السودان، من شأنه أن يؤثر على سعر صرف العملة المحلية، التي تعاني من مشكلات أصلا، فسعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني 447 جنيها، ومن المتوقع أن تزدهر السوق السوداء، كما يتوقع كذلك المزيد من الانخفاض في قيمة سعر الجنيه السوداني.
بيانات البنك المركزي السوداني، لعام 2021، تشير إلى أن قيمة التجارة الخارجية بلغت 13.6 مليار دولار، منها 4.2 مليار دولار للصادرات السلعية، بينما الواردات السلعية بلغت 9.4 مليارات دولار، وبذلك يصل العجز في الميزان التجاري للسودان في عام 2021 إلى ما قيمته 5.13 مليارات دولار.
وشكّل الذهب السلعة الأكثر أهمية في هيكل الصادرات السلعية السودانية، بقيمة 2.06 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 49% من إجمالي قيمة الصادرات السلعية للبلاد.
وفي ظل الصراع المسلح، سيكون الذهب هو العنصر الذي سيتأثر بشكل كبير سلبيا، لعدم توفر الأجواء الأمنية المطلوبة للعمل في استخراجه، أو نقله، أو تصديره، فضلا عن أن عوائد صادرات الذهب ستكون محل نزاع: هل ستعود للبلاد لتعوض عجزها من النقد الأجنبي؟ أم سيحتفظ بها خارج البلاد؟ وبذلك تكون السودان في ورطة أكبر بالنسبة لمواردها المحدودة من النقد الأجنبي.
ورغم أن السودان بلد زراعي، ويتوفر له العديد من مقومات الاكتفاء الذاتي من الغذاء، بل وتصدير السلع الزراعية والغذائية؛ فإنه في يونيو/حزيران 2022 أعلن برنامج الأغذية العالمي، أن جميع ولايات السودان الـ18 تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وأن هناك 15 مليون إنسان في السودان يواجهون أزمة انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وتظهر بيانات البنك المركزي للسودان لعام 2021، أن واردات المواد الغذائية بلغت 2.09 مليار دولار، بما يمثل 22.3% من إجمالي الواردات السلعية.
ومع استمرار الصراع المسلح، سيزداد الأمر تعقيدا بالنسبة لأوضاع الغذاء والأمن الغذائي في السودان، مع تعطل المرافق القادرة على إنتاج الغذاء، ومرافق استيراد الغذاء، فضلا عن صعوبة تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الغذاء، وهو ما يعني أن السودان مقبل على مزيد من انعدام الأمن الغذائي، إذا ما استمر الصراع المسلح.
ولسنوات طويلة ظل السودان واحدا من أكثر 10 دول في العالم فسادا، ولكن مؤخرا خرج من هذا التصنيف، ليس بسبب جهوده في مكافحة الفساد، ولكن بسبب ممارسات الفساد بمعدلات أعلى في دول أخرى، ودخول دول جديدة لم تكن في هذا التصنيف.
ووفق بيانات مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، أتى السودان في الترتيب 162 من بين 180 دولة شملها المؤشر، وحصلت على 22 درجة من درجات المؤشر الـ100. وفي ظل استمرار الصراع المسلح، سوف يزداد الفساد ضراوة، فالمُسلّمة الحتمية أن الفساد يزداد بمعدلات كبيرة في مناطق الصراع، ولعل حالة العراق وليبيا واليمن خير دليل.
الصراع المسلح في السودان، صراع مغارم بالدرجة الأولى لجميع أطرافه، فما من منطقة شهدت مثل هذه الأحداث، إلا وخسر جميع من شارك فيها، حتى ولو انتصر طرف على آخر، وهناك مجالات كثيرة يمكن سردها لصور المغارم.
ولكن نكتفي بالإشارة إلى المجالين الاقتصادي والاجتماعي، فبديل الصراع المسلح، هو الإنفاق على مشروعات التنمية، ومواجهة الفقر والبطالة اللذين تعاني منهما السودان منذ عقود.
ومع انتهاء الصراع، سيخرج الطرفان (المنتصر والمهزوم) وقد خسر كل منهما أفرادا من قواته، وأيضا الموارد المالية، فضلا عن الخسارة العامة، التي منيت بها البلاد باعتبارها منطقة صراع، فلا تقربها الاستثمارات الأجنبية، كما تهجرها الاستثمارات المحلية، وتكون البلاد في حالة ضعف، تمكن مشروعات إقليمية ودولية للنيل منها