الحق والواجب
بشرى غير سارة
حقوق غائبة
تأتي السعودية على رأس الدول المصدرة للنفط في العالم، وتراكمت لديها ثروات كبيرة على مدار الفترة بين عامي 2003 و2013، كان من ثمراتها أن أصبح رصيدها من احتياطات النقد الأجنبي 750 مليار دولار، ولكن مع العديد من التداعيات السياسية والاقتصادية السلبية التي ألمت بالسعودية، أعلن عن تراجع هذا الرصيد إلى ما دون 500 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب 2017.
وأُضيف لما فقدته السعودية من رصيدها من احتياطات النقد الأجنبي، ارتفاع الدين العام لما يزيد عن مئة مليار دولار عبر التوسع في الدين المحلي والخارجي، فضلا عن رفع أسعار العديد من الخدمات الحكومية الأساسية مثل الغاز والنفط والكهرباء والماء، والدخول في منظومة فرض ضرائب جديدة، مثل الضريبة الانتقائية، والوعد بتطبيق ضريبة القيمة المضافة مع بداية 2018.
لكن الجديد هو تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان حول حساب المواطن، الذي وعد بالإعلان عن تفاصيله خلال الأسابيع القادمة.
والمقصود بحساب المواطن هو "برنامج إعانات يهدف إلى تخفيف أثر سياسات التقشف على الأسر السعودية ذات الدخل المتوسط والمنخفض"، وهو ما يدلل على أن المواطن السعودي ينتظره المزيد من الأعباء المعيشية جراء الإجراءات الحكومية المنتظر اتخاذها خلال الفترة القادمة، والتي يأتي على رأسها ارتفاع أسعار الوقود.
"
المواطن السعودي ينتظره المزيد من الأعباء المعيشية جراء الإجراءات الحكومية المنتظر اتخاذها خلال الفترة القادمة، والتي يأتي على رأسها ارتفاع أسعار الوقود."
الحق والواجب
إذا كان من واجب المواطن السعودي أن يتحمل تبعات الإجراءات الاقتصادية التي لا يشارك في صنعها على مدار السنوات الماضية، وبخاصة بعد أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية منتصف 2015، وسوف يفقد العديد من المزايا الخدمية، وسيدفع مقابلا لكل ما يحصل عليه من سلع وخدمات حكومية، فمن حقه أن يعلم كيف تدار ثروات البلاد المتدفقة عبر الصادرات النفطية على مدار السنوات الماضية، وحقه كذلك في المشاركة بكيفية التصرف في عوائد الصادرات الحالية والمستقبلية من النفط.
فليست مهمة المواطن السعودي أن يقف متفرجا على تراجع احتياطي النقد الأجنبي لنحو ثلثه بمقدار 250 مليار دولار على مدار عامين ونصف العام، أو يرصد تصاعد قيمة الدين العام الذي زاد عن 100 مليار دولار، وكلها مؤشرات سلبية، وسوف تزيد حدتها خلال الفترة القادمة في ظل إدارة منفردة للسلطة تهمل الإرادة الشعبية، ولكن من مهمات المواطن السعودي أن يوقف القرارات الاقتصادية غير المحسوبة فيما يتعلق بثروات البلاد وخصخصة المؤسسات والشركات العامة، وأن يعلم أن سياسة التقشف لا تفرض على الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل، لكنها تشمل كذلك الأغنياء ورجال الحكم والأمراء.
وتمتلك السعودية سجلا غير شفاف في كيفية التصرف في ثروات البلاد أو كيفية توزعها بصورة عادلة بين أفراد المجتمع، ولا تتم محاسبة الحكومة من قبل الشعب أو مجلس الشورى، وهو ما تظهره تقارير دولية معنية بشفافية الموازنة على مستوى العالم.
فالمنظمة الدولية لشفافية الموازنة في نتائج مسحها لعام 2015، تضع السعودية ضمن تصنيف الدول التى لا تتيح بيانات عن الموازنة، وحصلت السعودية في المؤشر العام لشفافية الموازنة على صفر من مئة درجة، بينما المتوسط العالمي 45 درجة، كما أن السعودية لا تتيح أي معلومات عن الموازنة للجمهور، ولا يسمح للجمهور بالمشاركة في إعداد الموازنة، كما لا تساهم السلطة التشريعية في الرقابة على الموازنة، ثم إن مراقبة الجهاز الأعلى للمراقبة على الموازنة في السعودية ضعيفة.
وإذا كان المواطن السعودي بانتظار برنامج لإيضاح ما سيحصل عليه من معونات لمواجهة آثار الإجراءات التقشفية للحكومة، فمن حقه أن يمارس دوره في وضع نظام يضمن عدالة توزيع الثروة والمشاركة في إعداد ومراقبة الموازنة.
ساق الجدعان بشارته للمواطنين السعوديين حول حساب المواطن، ليعرفوا حجم الإعانات التي سيحصلون عليها خلال الفترة المقبلة، وكان الأولى أن يعلن عن برنامجه للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها السعودية.
"
تمتلك السعودية سجلا غير شفاف في كيفية التصرف في ثروات البلاد أو كيفية توزعها بصورة عادلة بين أفراد المجتمع، ولا تتم محاسبة الحكومة من قبل الشعب أو مجلس الشورى، وهو ما تظهره تقارير دولية معنية بشفافية الموازنة على مستوى العالم.
"
فلم يبين وزير المالية سياسته المالية لمواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية، وما هي الأدوات التي ستحمي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن السعودي، دون الحديث عن معونات نقدية أو عينية، كيف ستؤدي زيادة الإيرادات عبر الضرائب وغيرها في تحسن تخصيص الإنفاق العام؟ وكيف سيتم استخدام الديون العامة (المحلية والخارجية) في تمويل مشروعات إنتاجية، وليس فقط تمويل عجز الموازنة؟ وما هو برنامج الحكومة لسداد هذه الديون وأعبائها؟
والجدير بالذكر وحسب بيانات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فإن من يحصلون على معاش الضمان الاجتماعي والمساعدات الاجتماعية نحو 1.5 مليون حالة، ويتفاوت عداد الحالة الواحدة ما بين فرد ونحو 12 فردا.
وفي خضم الإجراءات التقشفية التي بشر بها الوزير فإن المستفيدين من برامج الضمان والمساعدات الاجتماعية سوف يعانون من زيادة الأعباء المعيشية.
لقد أعلنت وكالة الضمان الاجتماعي بوزارة العمل والتنمية بالسعودية مؤخرا عن قيامها بحملة لشطب غير المستحقين لمعاش الضمان الاجتماعي، حيث تبين أن بعض الحالات تمتلك سيارات نقل وغيرها من صور الملكية، وهو ما يشير إلى وجود فساد في إدارة هذه الأموال، ويتطلب المزيد من المراجعات بالإدارات الحكومية، وما يعتيرها من فساد، فكم من صور الفساد المقنن ترتكب داخل إدارات الحكومة السعودية.
وعلى نهج العديد من الدول النامية في عدم الشفافية فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية وما يترتب عليها من آثار، اتخذت الحكومة السعودية خلال الشهور القليلة الماضية قرارا بعودة ما أوقفته من بدلات ومكافآت لموظفي الدولة، وفسر الأمر وقتها على أنه نوع من الترضية الشعبية لقبول تصعيد محمد بن سلمان وليّا للعهد.
وإذا كان لعودة البدلات والمكافآت بالسعودية مآرب سياسية، فإن هناك شبهة فساد كبيرة تعتري القرار لغياب إصلاح هيكل الأجور بالموازنة السعودية، حيث يظل باب المكافآت والبدلات مفتوحا للمحسوبية وغياب العدالة بين العاملين، وانتفاء تحقيق تناسب الأجر مع الإنتاجية.
"
ثمة قراءة أخرى ترتبط بقرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات، فهذا القرار له خلفيات اقتصادية تفسر المستقبل السلبي لدخل الأسرة في السعودية، وبخاصة الطبقة المتوسطة التي تمتلك سيارة، ولكنها في ظل الأوضاع القادمة قد تعجز عن تحمل تكاليف أجرة سائق خاص للأسرة
"
ولكن ثمة مآرب أخرى وراء هذا القرار فسرها تصريح وزير المالية محمد الجدعان، فعودة هذه البدلات سيقابلها المزيد من الإجراءات الاقتصادية التي تتخفف فيها الدولة السعودية من دعم السلع والخدمات، وثمة قراءة أخرى ترتبط بقرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات، فهذا القرار له خلفيات اقتصادية تفسر المستقبل السلبي لدخل الأسرة في السعودية، وبخاصة الطبقة المتوسطة التي تمتلك سيارة، ولكنها في ظل الأوضاع القادمة قد تعجز عن تحمل تكاليف أجرة سائق خاص للأسرة، فيكون السماح لقيادة المرأة للسيارة حجابا لما سوق له بشكل كبير بأنه انفتاح اجتماعي لدور المرأة في المجتمع والحصول على المزيد من حقوقها.
ولكن الخلفيات الاقتصادية لابد من أخذها في الاعتبار في ضوء تقليص دخل الأسرة خلال الفترة القادمة، أو ارتفاع معدلات التضخم بعد ارتفاع أسعار الوقود المنتظر تطبيقها مع نهاية 2017، حيث سيؤدي ذلك إلى تراجع الدخول الحقيقية للأسرة السعودية.
إن انتظار المواطن السعودي -الفقير والمتوسط الدخل- ليعرف ما سيحصل عليه من إعانات لمواجهة الإجراءات التقشفية، يفتح الباب للحديث عن الكثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الغائبة بالمجتمع السعودي، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية، والحق في عدالة توزيع الثروة، والحق في مراقبة المجتمع الأهلي بالمشاركة في إعداد الموازنة العامة للدولة، والتمثيل البرلماني الحقيقي الذي يعتمد على الانتخاب الحر، حتى تتحقق الرقابة المنشودة على الإنفاق العام.