تستهدف وزارة المالية السعودية أن يصل الدين العام نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2020، وذلك وفق ما ورد بميزانية المملكة للعام المالي 2017، في حين تبلغ هذه النسبة بنهاية عام 2016 نحو 13%، وهو ما يعني أن إستراتيجية المملكة هي التوسع في المديونية العامة.
يعكس هذا التوجه ترسيخ اعتماد المملكة على تمويل بعض مشروعاتها التنموية من خلال المديونية العامة، وكذلك سد عجز الموازنة، الذي بدأ في التصاعد منذ عام 2014، سواء من مصادر محلية أو مصادر خارجية.
ويثير هذا التوجه الكثير من التساؤلات، وبخاصة أن المملكة لازالت تحتل مرتبة الصدارة عالمياً في مجال الصادرات النفطية، ومهما كانت الأزمة التي تمر بها المملكة بسبب انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014، فمن المفترض أن لديها احتياطيات من النقد الأجنبي واستثمارات خارجية، تؤمن لها مصادر تمويل بعيداً عن الاستدانة.
خلال الشهور الأخيرة من عام 2015، أنشأت وزارة المالية بالسعودية مكتباً لإدارة الدين العام، حسبما هو منشور على موقعها، وحددت الوزارة واجبات هذا المكتب، وكونه معني بإدارة ملف الدين العام، وتدبير التمويل اللازمة بأفضل تكاليف ممكنة في الآجال المختلفة، وتأمين استدامة وصول المملكة لأسواق العالمية بتسعير عادل.
ويقع على عاتق المكتب اقتراح استراتيجية الدين العام، ووضع خطط الاقتراض السنوي، ووضع الأطر القانونية والحوكمة لإدارة مخاطر الدين العام. هذه الخطوة تعكس دلالات إيجابية وأخرى سلبية. الدلالات الإيجابية تتمثل في المؤسسية، ووجود كيان يمكن محاسبته عن إدارة ملف بخطورة المديونية العامة. ولكن هنا لابد أن نشير إلى أن إدارة الديون، ليست فقط في تدبيرها وكيفية الحصول عليها، وطرق إنفاقها، ووضع نظم متابعتها، ولكن الأهم هو كيفية سدادها، وتحديد العائد منها، وتوظيفها بما يخدم مشروع التنمية. أما الدلالات السلبية، فتتمثل في تحول السعودية كدولة فائض مالي عبر أكثر من عقد من الزمن إلى دولة مدينة فور وقوع أزمة النفط في عام 2014، فتتجه لإنشاء مكتب لإدارة الدين العام، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً، حول كيفية التصرف في الفوائض النفطية خلال الفترة 2003-2014، ولماذا لم يتم إنشاء صندوق لمواجهة الأزمات، وبخاصة أن انهيار أسعار النفط غير جديد، وعاشته المملكة غير مرة. وكان يفترض أن يصمد الاقتصاد السعودي بعيداً عن المرور بأزمة تمويلية، أو اللجوء للمديونية على الأقل لمدة ثلاث سنوات بعد أزمة النفط في 2014، أما أن تظهر الدلالات السلبية للوضع التمويلي بالسعودية، فهذا إنذار خطر. وإنشاء هذا المكتب يعني بكل وضوح أن المملكة تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية، وأن هذه الأزمة ستستمر لفترة متوسطة الأجل على الأقل، إن لم تكن طويلة الأجل.
وفق بيانات وزارة المالية السعودية، فإن الدين العام بلغ نهاية سبتمر 2016، نحو 91.3 مليار دولار، منها 27.5 مليار دولار ديون خارجية، تمثل 30.1% من قيمة الدين العام، ونحو 63.8 مليار دولار ديون محلية، تمثل نسبة 69.8% من إجمالي الدين العام.
البيانات المنشورة على موقع وزارة المالية السعودية تبين أن الاتجاه للمديونية العامة ظهر مع أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية منتصف 2014، واتضح ذلك من بزوغ العجز بالميزانية العامة، بدءاً من عام 2014. وفيما يلي نشير إلى مقدار العجز بالميزانية السعودية على مدار السنوات الثلاث الماضية، وكذلك ميزانية 2017.
العام | الإيرادات | النفقات | العجز
2014 | 1039 | 1100 | – 61
2015 | 612 | 978 | – 366
2016 | 528 | 825 | – 297
2017* | 692 | 890 | – 198
– المصدر، وزارة المالية السعودية.
*بيانات سنة 2017 تقديرية، بينما باقي السنوات تعكس بيانات فعلية.
يتضح من بيانات الجدول أن أوضاع المالية العامة للمملكة العربية السعودية تأثرت بشكل كبير، فالإيرادات العامة في عام 2016 بلغت نحو 50% فقط مما كانت عليه في عام 2014، على الرغم من كون أزمة انهيار أسعار النفط وقعت في منتصف عام 2014.
وانحفضت النفقات العامة في عام 2016 بنسبة 25% مما كانت عليه في عام 2014، وبلا شك أن انخفاض كل من الإيرادات والنفقات العامة، أثر بشكل كبير على مقدرات الاقتصاد السعودي، وبخاصة أن القطاع الخاص السعودي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي.
– توظيف الديون العامة بالسعودية في تمويل عجز الموازنة، بداية لتكريس أزمة المديونية، وإطالة أمدها، فالديون إن لم توظف في مشروعات إنتاجية، وتلتزم هذه المشروعات بسداد كامل أعباء الدين من أقساط وفوائد، تصبح عبئاً على الأجيال القادمة.
– تنوعت مصادر تمويل الدين العام السعودي ما بين أذون وسندات محلية، بفوائد معلنة وكذلك سندات من السوق الدولية، والحصول على قروض خارجية، وهي أيضاً أدوات تخضع لآلية سعر الفائدة، وهي كلها مما صنف في إطار الربا المحرم. وهو ما لا يليق بواحدة من الدول التي تعتبر نفسها من أكبر الدول الإسلامية. في حين أنه أعلن يوم الخميس 30 مارس 2017 أن شركة “أرامكو” ستطرح أولى شرائح تمويلها عبر الصكوك الإسلامية.
وإذا كانت آلية الصكوك الإسلامية متاحة وتعمل بها أكبر شركة حكومية، فلما لم تلجأ إليها السعودية في تدبير احتياجاتها التمويلية، وهي آلية متعددة الوظائف والصيغ، وطرح الصكوك الإسلامية من قبل السعودية بالسوق الدولية، كان سيحقق فائدتين، الأولى العمل على تسويق الأدوات المالية الإسلامية في السوق الدولية، ثانياً تأمين احتياجات السعودية بعيداً عن الربا المحرم.
– المديونية العامة لن تكون بلا ثمن، فضلاً عن أعباء سدادها، فلها تكلفتها التمويلية المتمثلة في فوائد الديون، وحسب ما ورد في بيان ميزانية 2017 بالسعودية، فإن فوائد الدين العام بلغت 5.4 مليار ريال في 2016، ويقدر لها أن تصل إلى 9.3 مليار في 2017.
– لن تكون أعباء خدمة الدين المتمثلة في فوائد الديون، مجرد رقم هزيل في البداية، ولكن التبعات مع مرور الزمن تفاقم من حجم هذه الأعباء، وبخاصة أن أدوات المديونية من سندات تمتد من 7 – 10 سنوات، ستكون لها تكلفتها.
وفي مؤشر على إمكانية زيادة تكلفة التمويل للدين العام للسعودية، ما أصدرته وكالة “فيتش” أواخر مارس 2017 من تخفيض التصنيف الإئتماني للسعودية، حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة التمويل على القروض السعودية التي تعتزم الحصول عليها من الأسواق الدولية.
وعادة ما تستهدف إدارات الدين العام، استهلاك السندات التي تحل في الأجل القريب بسندات أخرى تمتد لعقود وهكذا. وبذلك تصبح أعباء خدمة الدين خصماً من خدمات يحصل عليها المواطن السعودي، وهو ما وجد أثره السعوديون على مدار العامين الماضيين، من خلال توجه الحكومة برفع أسعار الخدمات العامة، وتقليص الإنفاق العام، والعمل على تحجيم التوظيف بالقطاع الحكومي والمؤسسات العامة.
– وإذا ما استمرت الحكومة السعودية في تمويل احتياجاتها عبر المديونية العامة، فإنها ستصبح المقترض الرئيس من الجهاز المصرفي ومصادر التمويل الأخرى محلياً، وهو ما يعد مزاحمة للقطاع الخاص، وخصماً من حصتها من الاقتراض للاستثمار وفتح مشروعات جديدة.