الرئيسية / السعودية / التعداد الخامس في السعودية: الدلالات الاقتصادية والاجتماعية للتعداد

التعداد الخامس في السعودية: الدلالات الاقتصادية والاجتماعية للتعداد

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 12-07-2023
  • 628
التعداد الخامس في السعودية: الدلالات الاقتصادية والاجتماعية للتعداد
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر


تأتي عمليات التعداد السكاني في مقدمة الأعمال الضرورية لتجارب التنمية في كافة الدول، فمن خلال التعداد يتم الوقوف على الموارد الحقيقية للبلاد، وتُسهّل نتائج التعداد إجراء عمليات التخطيط واستهداف مؤشرات التنمية، لتعظيم ما لدى المجتمع من إيجابيات وتحديد أوجه القصور، كما ويسهل بعد ذلك وضع أدوات العلاج.

مؤخرًا، أعلنت هيئة الإحصاء السعودية بعض نتائج التعداد السكاني 2022، وهو التعداد الخامس في تاريخ البلاد. شمل التعداد سبعة محاور رئيسة والعديد من المؤشرات الفرعية (السكان، الأسرة المعيشية، السكن والمساكن، التعليم، سوق العمل والدخل، الصحة والإعاقة، والهجرة والتنوع). رغم ذلك، كشفت نتائج التعداد لعام 2022 التي أفصحت عنها هيئة الإحصاء السعودية، على ثلاثة محاور فقط، هي (السكان، والأسرة المعيشية، والسكن والمساكن).

تعد السعودية الدولة الأكبر بين دول اتحاد مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد السكان، وكذلك على الصعيد الاقتصادي حيث تعد من أكبر الدول المصدرة للنفط في السوق الدولية، ليس هذا فحسب، بل لديها القدرة على إحداث تأثير قوي في اتجاهات السوق عبر قراراتها بزيادة أو خفض كميات إنتاجها أو تصديرها للنفط، وهو ما لمسناه في تكتل “أوبك +”

يكتسب التعداد السعودي وما يحتويه من بيانات، أهمية كبيرة للمهتمين بالقراءات الاستراتيجية، وبخاصة أن السعودية بجانب وضعها في اقتصاديات الطاقة على مستوى العالم، شرعت منذ سنوات في تنفيذ مشروعها المتمثل في رؤية المملكة 2030، الذي يضم استثمارات مالية ضخمة، وكانت محل اهتمام واسع من جانب المؤسسات المالية والاستثمارية على مستوى الإقليم والعالم، فمشروع نيوم منفرداً يتم إنجازه بتكاليف استثمارية تقدر بنحو 500 مليار دولار.

السكان: الهاجس الأكبر


في ضوء أرقام تعداد 2022، نجد أن إجمالي السكان المقيمين في السعودية في حدود 32.17 مليون نسمة، مقارنة بنحو 27.1 مليون نسمة في تعداد عام 2010. أي أن عدد السكان المقيمين في البلاد زاد بنحو 5 ملايين نسمة بعد 12 عاماً. لكن بقراءة بعض التفاصيل، نجد أن هذه الأعداد الإجمالية تضم السكان السعوديين وغير السعوديين. الوقوف على هذه التفاصيل مهم لمعرفة الوضع السكاني وما يعكسه من دلالات، ففي عام 2010 كان عدد السكان السعوديين يقدر بـ 18.7 مليون نسمة ما يمثل 68.9% من إجمالي المقيمين بالبلاد، والبالغ عددهم آنذاك 27.1 مليون نسمة. في عام 2022 نجد أن السكان السعوديين بلغ عددهم 18.8 مليون نسمة ما يمثل نسبة 58.4% من إجمالي المقيمين بالبلاد والبالغ عددهم 32.1 مليون نسمة.

وهو ما يعني أن الزيادة في عدد السكان الإجمالي للسعودية بين عام 2010 و2022 يرجع بنسبة كبيرة إلى وجود غير السعوديين. وتبرز هنا أهمية وجود الأجانب ومساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويمكن القول في ضوء نتائج المقارنة بين التعدادين، أن السعودية ستظل في المديين المتوسط والطويل تعتمد على العمالة الأجنبية بسبب ضعف نمو المكون السكاني لمواطنيها.

ولا تقف قراءة وجود الأجانب في السعودية على مساهمتهم في النشاط الاقتصادي، بل هم قوة اقتصادية واجتماعية تمثل جانبًا مهمًا في المجتمع، وحسب تعداد 2022، تمثل نسبة الأجانب المقيمين نحو 41.6% من السكان، ولنا أن نتخيل حصتهم في معدلات الاستهلاك والإنفاق. ومما أوضحته بيانات تعداد 2022، أن الأسرة المعيشية للأجانب تمثل الجانب الأكبر في ثلاث مناطق كبرى بالسعودية، وهي الرياض ومكة والمنطقة الشرقية بنسبة 56.2% و53.5% و50.9% على التوالي، وهو ما يعني أن النسيج الاجتماعي في السعودية يمثل فيه الأجانب مكونًا مُعتبرًا.

خصائص السكان السعوديين


أشارت نتائج تعداد 2022 إلى أن عدد الذكور بين سكان المملكة بلغ نحو 19.7 مليون نسمة، وتصل نسبتهم بين السكان 61.2% مقابل 12.5 مليون من الإناث بنسبة بين السكان تبلغ نحو 38.8%. لكن هذه الأرقام تخص عموم السكان بالمملكة دون تفرقة بين سعوديين وغير سعوديين. ويرجع سبب ارتفاع نسبة الذكور عن الإناث في التعداد إلى أن بعض الأجانب يتواجدون بمفردهم دون أسرهم، أو هم من العزاب نظرًا لطبيعة الأعمال التي يشغلها الأجانب والتي تتطلب أن يكون العمال من الذكور.

بلغ عدد الأسر في السعودية حسب نتائج التعداد 8.17 مليون أسرة، ويصل معدل الخصوبة للسعوديات 2.8 أي أن عدد مرات الولادة للمرأة السعودية لا يتجاوز ثلاث مرات في المتوسط.

 أما عن المؤشرات المهمة التي أشار إليها التعداد، فهو أن معدل الإعالة من السكان في سن العمل للسعوديين بلغ نحو 62 فرد، وهو معدل أعلى من المتوسط العالمي، فحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي فيبلغ متوسط معدل الإعالة 55 فردًا. وعن متوسط العمر المتوقع للسعوديين، أظهرت نتائج التعداد أنه بحدود 77.9 عامًا، بالنسبة للذكور فهو 75.3 عامًا وللإناث هو 80.9 عامًا ويلاحظ أن العمر المتوقع للسكان السعوديين في المتوسط يفوق المعدلات العالمية، فحسب بيانات البنك الدولي متوسط العمر المتوقع لعموم السكان 71 عامًا، للذكور 69 عامًا، وللإناث 74 عامًا. يمكن تفسير تحسن الواقع للعمر المتوقع للسكان في السعودية من خلال الخدمات المتقدمة في مجال الصحة العامة، كذلك الرعاية الطبية وتقدم الخدمات المقدمة عند الحمل والولادة وأثناء مراحل الطفولة.

أما عن واقع السكان الاجتماعي، فتظهر البيانات أن عدد المطلقين (ذكور وآناث) بلغ نحو 587.4 ألف، وعدد الأرامل 533.6 ألف. وهو بلا شك عدد كبير في ضوء قراءة الأبعاد الاجتماعية لعدد السكان السعوديين في سن الزواج. وبخاصة إذا علمنا أن عدد المتزوجين هو 13.3 مليون فرد.

حالة السكن والإسكان


أظهر تعداد 2022 أن عدد الوحدات العقارية في السعودية يبلغ 12.4 مليون وحدة عقارية، منها 8.1 مليون وحدة تسكنها الأسر، كما أن هناك نحو 809 ألف وحدة غير سكنية، وغالبية الوحدات غير السكانية مصنفة لنشاط تجاري حيث يبلغ عددها 779.3 ألف وحدة، وهناك نحو 20.9 وحدة تصنف على أنها سكن عام، ونحو 9 ألاف وحدة كمعسكر عمل.

ويلاحظ من هذه الأرقام، أنه لا توجد مشكلة إسكان، فعدد الوحدات العقارية للأسر تكاد تتطابق مع عدد الأسر الموجود بالمملكة، سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين. ويسلط هذا الضوء على طبيعة نشاط البناء والتشييد بالمملكة، وقراءة مستقبله، سواء من خلال طبيعة غياب المشكلة الإسكانية أو من خلال معدلات الخصوبة للنساء السعوديات.

من المهم أن تتم المقارنة بين ما أظهرته نتائج تعداد 2022 بالسعودية وبين ما تتضمنه رؤية 2030 من مشروعات واستثمارات، فعلى مدار الفترة ما بين تعدادي 2010 و2022، نجد أن الوضع السكاني لم يتغير كثيرًا، في ضوء متطلبات التنمية وأهمية العنصر البشري.

لا يزال الاعتماد على الأجانب يمثل عاملًا مهمًا في النشاط الاقتصادي للسعودية، كما يمكن الإشارة إلى أن غالبية مشروعات رؤية 2030 بالمملكة تخاطب الخارج، كجمهور يستفيد من الخدمات التي يمكن أن تقدمها مشروعات الرؤية. ورغم حالة الإنعاش الاقتصادي التي تحدثها مشروعات رؤية 2030 بالمملكة، يكتنف هذه المشروعات العديد من التهديدات في ضوء التقلبات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية، فالتوسع في مشروعات الرؤية يتطلب قبل كل شيء، قراءة الواقع السكاني للمملكة وفهم دلالاته.