الرئيسية / الاقتصاد العالمي / مقاطعة الرياض الاقتصادية لأنقرة: السيناريوهات القائمة

مقاطعة الرياض الاقتصادية لأنقرة: السيناريوهات القائمة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 20-10-2020
  • 117
مقاطعة الرياض الاقتصادية لأنقرة: السيناريوهات القائمة
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

السعودية وتركيا عضوان في مجموعة العشرين، وهي أكبر تجمع اقتصادي عالمي، كما تجمعهما عضوية منظمة التعاون الإسلامي ويمثلان ثقلًا وازنًا في منطقة الشرق الأوسط. ورغم العلاقات التاريخية الممتدة من قرون بين أنقرة والرياض إلا أن الخلافات السياسية بين البلدين تشهد تصعيدًا ملحوظ منذ سنوات.

مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري دعا عجلان العجلان رئيس الغرف التجارية السعودية لمقاطعة البضائع التركية، تبع ذلك حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تُناصر مقترح المقاطعة وحملة أخرى لدعم تركيا ومنتجاتها من قبل ناشطين داعمين لأنقرة من دول عربية أخرى.

ولم تأت دعوة العجلان من فراغ بل يقف ورائها خلاف سياسي محتدم بين البلدين، أشد مظاهره كانت مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول منتصف 2019. وكانت المحاكم التركية قد جددت مؤخرًا الحديث عن قضية خاشقجي بإضافة متهمين جدد والدعوة لمحاكمتهم.

يأتي النزاع الاقتصادي التركي السعودي في أوقات غير مواتية للبلدين بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم في ظل جائحة كورونا، فتراجع أسعار النفط في السوق الدولية أثر على مقدرات الاقتصاد السعودي، ومن المتوقع أن يصل عجز الميزانية في السعودية نحو 12% بنهاية عام 2020. في تركيا، يتراجع نشاط السياحة بنسب كبيرة بسبب تراجع حركة السفر في ظل الجائحة، كما ترتفع معدلات التضخم والبطالة التي تزيد عن 13% من قوة العمل وفق بيانات يوليو 2020.

العلاقات الاقتصادية

تنتظم العلاقات الاقتصادية بين الرياض وأنقرة في عدة أنشطة، في مقدمتها التبادل التجاري الذي يبلغ في المتوسط نحو 5 مليارات دولار (بيانات الفترة 2017 – 2019) ويميل الميزان التجاري لصالح تركيا بنحو 800 مليون دولار وفي عام 2019 حقق الفائض التجاري لتركيا نحو 1.2 مليار دولار. وتتنوع الصادرات السلعية التركية المتجهة للسعودية ما بين الغذاء والمنسوجات والأثاث ومستلزمات الفنادق، بينما تتمثل الصادرات السلعية السعودية في المواد المعدنية والكيماوية والألمونيوم.

وتأتي السياحة باعتبارها النشاط الثاني بين البلدين، مثلت تركيا على مدى سنوات العقد الماضي مقصدًا سياحيًا مرغوبًا للسعوديين، وبلغ عدد السياح السعوديين في تركيا خلال عام 2018 نحو 745 ألف سائح، وظل العدد قريب منه في عام 2019، إلا أن النصف الثاني من عام 2019 شهد تراجعًا في أعدد السياح السعوديين بنحو 17% بسبب تداعيات مقتل الصحفي جمال خاشقجي. في عام 2020 فرضت فيه جائحة كورونا آثارها السلبية على حركة السفر مما أثر على السياحة بين البلدين بشكل ملحوظ.

وعلى الجانب الآخر، تدفع تركيا كل عام بنحو 80 ألف حاج يمثلون موردًا سياحيًا مهمًا للسعودية، وبلغ عدد السائحين الأتراك للسعودية بغرض أداء العمرة نحو 110 ألف معتمر في عام 2019. وإذا استطاعت السعودية أن تمنع سائحيها عن تركيا فإن أداء الشعائر الدينية قد يحول دون أن تتخذ تركيا خطوة مماثلة، وبخاصة في ظل حكومة العدالة والتنمية.

النشاط الثالث البارز في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، هو إقدام السعوديين على شراء العقارات في تركيا، حيث بلغ عدد الوحدات المشتراة للسعوديين في عام 2019 نحو 2208 وحدة، ووفق الاحصاءات التركية، فإن السعوديين أتوا في المرتبة الرابعة من حيث شراء العقارات في عام 2019، بعد العراق وإيران وروسيا.

أما المجال الآخير الذي يمكن رصده في إطار العلاقات الاقتصادية بين البلدين فهو الاستثمار، حيث قدرت الاستثمارات السعودية في تركيا بنحو 11 مليار دولار، ما بين استثمارات مباشرة وغير مباشرة. ومن السهل أن تؤثر الخلافات السياسية بين البلدين على الاستثمارات غير المباشرة بشكل سريع لإمكانية خروجها خلال فترة قصيرة، قبالة ذلك، سيستغرق خروج الاستثمارات المباشرة وقتًا طويلًا.

الأضرار المترتبة على الخلاف

بلا شك أن أي خصم من قيمة وحجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين يمثل ضررًا على فرص العمل ومختلف الأنشطة الأخرى كالنقل والتأمين والشحن والتعاملات المالية والبنكية، وكما ذكرنا، فإن هذا الخلاف يأتي في ظل ظروف غير مواتية اقتصاديًا على الصعيد العالمي، وبالنسبة للبلدين أيضًا.

لابد أن نستحضر أن هناك عقود تجارية بين قطاع الأعمال بين البلدين، وأن هناك التزامات مالية سوف تخلف مشكلات بالنسبة لرجال الأعمال، تأخر الشحن أو عدم اتمام العقود سوف يترتب عليه تعطيل للنشاط الاقتصادي في البلدين، فضلًا عن الشروط الجزائية التي يمكن أن تتضمنها العقود.

في حال فرضت الحكومة السعودية على مواطنيها بإنهاء علاقاتهم التجارية والاستثمارية والخدمية مع تركيا، فسيكون من الضروري تعويضهم عن الخسائر التي ستلحق بهم، وإذا ما فرضنا الاستجابة الفورية للأفراد السعوديين بالتخلص من عقاراتهم واستثماراتهم في تركيا فسيؤدي ذلك إلى بيعها بمبالغ زهيدة نظرًا لأنهم يبعون تحت الضغط، وليس في ظروف طبيعية.

السياسة تفرض واقعًا جديدًا

يبقى مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السعودية وتركيا مرتهنًا للأداء السياسي بين البلدين. في حالة التصعيد، يمكن أن تصل التعاملات التجارية لأقل معدلاتها بل من الممكن أن تتلاشى، وكذلك النشاط السياحي والعقاري والاستثماري.

من جهة أخرى، قد تكون الأمور مجرد سحابة صيف يمكن تجاوزها بعد حين باعتبار الموقف السعودي رسالة احتجاجية للنظام في تركيا، مفاد هذه الرسالة بأن لدى السعوديين أوراق ضغط يمكن توظيفها في أي وقت. يدعم ذلك أن الدعوة لمقاطعة تركيا اقتصاديًا لم تصدر من أي مسؤول حكومي بل من خلال مجتمع الأعمال، وفي شخص رئيس الغرف التجارية.

يمكن تفسير عدم صدور مقاطعة سعودية رسمية لتركيا اقتصاديًا، أو في شكل قانون أو قرار حكومي، بأن السعودية تريد تفادي أن تفرض عليها عقوبات أو تعويضات من قبل منظمة التجارة العالمية، فالتعليمات الشفاهية وتصريحات ممثلي مجتمع الأعمال يمكن فهمها على أنه مجرد رسالة للضغط على النظام التركي، وليس رغبة حقيقية في المقاطعة.

يمكن الإشارة في حال العلاقات بين السعودية وتركيا اقتصاديًا إلى الحالة التركية المصرية، فعلى الرغم من الخلاف السياسي القائم بين مصر وتركيا منذ الانقلاب العسكري في مصر يوليو 2013، ظلت العلاقات التجارية في وضعها الطبيعي ولم تتأثر إلا بشكل طفيف أثناء أزمة النقد الأجنبي في مصر في عام 2016 و2017.

نستطيع القول، بأن كلا البلدين متضرر من أي قرار يؤثر سلبًا على الحركة الاقتصادية، وإن كان هذا التأثير في حجمه ضئيلًا، صحيح أن قيمة التجارة بين البلدين تبلغ نحو 5 مليارات دولار إلا أن تجارة تركيا الخارجية تزيد عن 400 مليار دولار.

يستطيع كلا البلدين أن يتوجها بتعاملاتهما التجارية لدول أخرى، حيث أن البضائع المتبادلة لا تمثل سلعًا استراتيجية حصرية لأي من البلدين ولا يمكن أن تصل الأمور لمرحلة “لي الأذرع”. رغم ذلك، تفرض طبيعة العلاقات الممتدة بين البلدين نفسها لمرحلة جديدة قد تستهدف بقاء المعاملات الاقتصادية الحالية عند سقفها الحالي، أو أقل بقليل، لكنها لن تشهد زيادات ملموسة، نظرًا لاختلاف التوجهات السياسية الدولية والاقليمية بين البلدين، فضلًا عن استمرار ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي مفتوحًا.