الرئيسية / الاقتصاد العالمي / لماذا يجب على دول الخليج أن لا تذهب في علاقاتها الاقتصادية مع الصين بعيدًا؟

لماذا يجب على دول الخليج أن لا تذهب في علاقاتها الاقتصادية مع الصين بعيدًا؟

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 10-05-2023
  • 117
لماذا يجب على دول الخليج أن لا تذهب في علاقاتها الاقتصادية مع الصين بعيدًا؟
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

لا شك أن تنوع العلاقات الاقتصادية لأي دولة أو كيان، أمر مطلوب، بل وضروري، فالدول كالأفراد لا يمكن أن تعيش بمفردها أو أن تستغني عن الآخرين. يجنب تنوع العلاقات الاقتصادية للدول مخاطر تركز العلاقات في جانب واحد، وما يحمله هذا الخيار من مخاطر. مؤخرًا شهدنا تحولاً بدرجة ما في علاقات دول الخليج اقتصاديًا تجاه الصين.

كانت السعودية والإمارات، الدولتان البارزتان خليجيًا في توطيد علاقتهما مع الصين، سواءً من خلال صفقات اقتصادية وازنة أو خلال السير في خطوات تمهيدية، قد يكون لها دلالاتها في التحولات الاقتصادية العالمية المرتقبة، مثل تسوية بعض الصادرات النفطية السعودية وصادرات الغاز الإماراتية للصين بالعملة الصينية “اليوان”. قطر هي الأخرى توصّلت لاتفاقية بشأن تصدير الغاز الطبيعي للصين بنحو 60 مليار دولار، وهو ما اعتبره البعض بالصفقة التاريخية، حيث أنها ستمتد إلى عام 2050. بل إن أول امتداد لبنك البنية الأساسية للبريكس خارج الصين، كان افتتاح فرع لهم في أبو ظبي بدولة الإمارات.

القراءة الأولية لتصاعد العلاقات الخليجية الصينية، هي أنها خصم بالنتيجة من العلاقة الاستراتيجية التي امتدت لعقود- ولازالت- مع الولايات المتحدة، وبخاصة في ظل تأزم العلاقات الصينية الأميركية ووصولها لمرحلة صراع اقتصادي معلن ومفتوح. وقد تأتي قراءة الخطوة الخليجية على أنها تحرك مطلوب في إطار متغيرات جديدة تشهدها الساحة الدولية، انتظارًا لنظام اقتصادي عالمي جديد بدأ يتشكل فعلاً.

الخليج الذي أتيحت له طفرة نفطية جديدة خلال الفترة الممتدة من منتصف عام 2021 وحتى نهاية عام 2022، مكنته من تحقيق وفرة مالية وإعادة ترتيب أوضاعه المالية على صعيد أرصدة الصناديق السيادية التي قدرت أصولها بنحو 3.5 تريليون دولار، أو إعادة الاعتبار لأرصدة احتياطيات النقد الأجنبية واستعادة ظاهرة فوائض الموازنات العامة.

ما وراء التسارع الخليجي

ثمة قراءات ظاهرة لكثير من الأحداث يتبين فيما بعد عدم صوابيتها، فمثلاً الغالبية قرأت امتناع دول الخليج عن تنفيذ مطلب الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة كميات إنتاج النفط، على أنه تحول استراتيجي في علاقة هذه الدول بالولايات المتحدة، كثيرون حينها بدأوا في نسج سيناريوهات لإعادة التموضع الجيواسترتيجي بالمنطقة. لكن ما أسفرت عنه سوق النفط الدولية خلال عام 2023، جعل الأمر في صالح الولايات المتحدة ودول الغرب، حيث هدأت أسعار النفط وظلت تدور في فلك (80 -85) دولار للبرميل، ولم تتجه نحو سقف الـ 100 دولار كما توقع البعض.

قد يكون التوجه الخليجي للصين في بعض الصفقات التجارية والاستثمارية ليس إلا مجرد نوع من التيسير لأداء الصين الاقتصادي، على اعتبار أنها مصنع العالم الذي تعتمد عليه أميركا وأوروبا لحين البحث عن بديل. الأمر الأخر، هو أن الصين لازالت واحدة من أكبر مستوردي النفط في العالم، وليس من مصلحة دول الخليج أن تفوت على نفسها الفرصة في استمرار اعتماد الصين على نفطها، لما يمثله ذلك من تدفقات مالية مهمة لدول الخليج، وبخاصة بعد أن أزاحت روسيا السعودية من أكبر مصدر نفطي للصين خلال عام 2022.

كل ذلك لا يمنع من أن تكون لبكين وجهة نظر أخرى أو أن توظف الأمر في مسار صراعها مع واشنطن، عبر توطيد علاقاتها بدول الخليج باعتبارها مكونًا مهمًا في منطقة الشرق الأوسط. وعلى أي حال، يبدو أن الولايات المتحدة تعتبر هذه العلاقة الخليجية الصينية على الصعيد الاقتصادي في إطار المسموح به، إذ لطالما بقيت أميركا الشريك العسكري الأول واستمرت قواتها تطوق المنطقة بشكل كامل.

محاذير جدية

في إطار علاقات دولية حرة، يبحث الجميع عن المصالح وقيمتها ومدى تأثيرها، لكن في ظل ظروف الحرب الباردة بين الصين وأميركا وخصوصية العلاقات الأميركية الخليجية منذ عقود، يتطلب الأمر الكثير من الحذر والحرص في إبرام العلاقات الاقتصادية مع الصين. على دول الخليج أن تعي أن المشروع الصيني لا يقل عن المشروع الأميركي في تطلعاته ورغبته في السيطرة على مقدرات الدول، وأن استكمال المقدرات الاقتصادية للصين مقدمة لاستكمال مقدراتها العسكرية كذلك.

الأمر الثاني، تعاني الصين من نفس المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها أميركا، لكن حالة عدم الإفصاح والشفافية في الحالة الصينية لا تسمح باطلاع العالم على تلك المشكلات، كما هو الحال في الولايات المتحدة. للصين أزمة مديونية، لو قيست من حيث النسبة والتناسب مع الناتج المحلي الإجمالي، لكانت قريبة الشبه بالحالة الأميركية، ولعل حالة أكبر شركة عقارات في الصين “ايفرجراند” خير دليل، فالشركة متعثرة منذ سنوات وتبحث عن حلول دون جدوى، تريد الصين أن تصدر مشكلة الشركة للخارج، عبر التفاوض مع الدائنين الخارجيين.

مشكلات الجهاز المصرفي الصيني وأسواق المال في الصين، كذلك أوضاع الشركات الصغيرة والمتوسطة ليست أحسن حالًا عن بقية دول العالم، بل تمارس حكومة الصين وبنكها المركزي عمليات دعم كبيرة متمثلة في تقديم قروض لعدم تعثر أو إفلاس هذه الشركات.

من هنا، يبدو أن توسع دول الخليج في ضخ استثمارات داخل الصين أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر قد يعرضها لخسائر محققة، إذ لا تزال التكنولوجيا المتقدمة أميركية، كما أنها تجني ثمارها بشكل كبير في شكل عوائد مالية وازنة، تمكن لها الاستمرار في قيادتها للاقتصاد العالمي.

من خلال متابعة ما أبرم مؤخرًا بين الصين والسعودية والإمارات، فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر أو الطاقة البديلة أو تكنولوجيا إدارة المدن، نجد أن دور الصين في هذه الأمور تنفيذي وناقل لتكنولوجيات أمريكية وغربية، فالإضافة الصينية شديدة المحدودية في هذا المجال، وهو ما يجعل الأفضل لدول الخليج هو أن تتجه لاستقدام هذه التكنولوجيات من منبعها.

تُفوّت دول الخليج فرص نجاح اقتصادية كبيرة طالما استمرت في نهج استيراد التكنولوجيا في إطار ما يعرف بنظام “تسليم المفتاح”. تحتاج دول الخليج إلى توطين التكنولوجيا وأن تتعلم الدروس في الحالتين الأميركية والصينية.

العواقب الكبيرة ممكنة

يخشى أن يكون للتسارع في إقامة علاقات مع الصين عبر بوابة الاقتصاد والمال في هذه المرحلة التي تتسم بالصراع المحموم بين الصين والولايات المتحدة، عواقب عدة، منها تعريض المصالح والأموال الخليجية للخطر لإمكانية وقوعها تحت طائلة العقوبات مستقبلًا في حالة نشوء صدام مباشر بين بكين وواشنطن، وهو السيناريو الذي حدث في روسيا حين فرضت واشنطن ودول الغرب عقوبات أميركية وغربية على شركات ودول تتعامل مع روسيا.

لازالت الاستثمارات الخليجية الموجه للصين قليلة مقارنة بأرصدتها في صناديقها السيادية، أو مقارنة بما هو موجود في دول الغرب، والأولى بدول الخليج أن تحرص على ألا تكون جزءً من الصراع بين الصين وأميركا وألا تضطر إلى أن تخوض حربًا بالوكالة.