الرئيسية / الاقتصاد العالمي / شبح أزمة مالية.. احتمالات ضعيفة لتحسن الاقتصاد العالمي في 2020

شبح أزمة مالية.. احتمالات ضعيفة لتحسن الاقتصاد العالمي في 2020

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 03-01-2020
  • 134
شبح أزمة مالية.. احتمالات ضعيفة لتحسن الاقتصاد العالمي في 2020
  • المصدر: الجزيرة

شهد عام 2019 صراعات اقتصادية عالمية كان أبرزها الحواجز التجارية التي قادتها أميركا تجاه مجموعة من الدول، خاصة الصين، وأدى ذلك إلى تراجع معدل النمو في الاقتصاد العالمي لنحو 3% في عام 2019، متراجعا عن 3.7% في 2018، و3.8% في 2017.

وكان لتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وزيادة حدة الحواجز التجارية الأثر الأكبر في تراجع معدل نمو التجارة الدولية، ليصل إلى 1% خلال النصف الأول من عام 2019، وهو أبطأ معدل تشهده التجارة الدولية منذ عام 2012، وذلك حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي بنهاية 2019.

وكان من الطبيعي أن يلقي تراجع معدل النمو الاقتصادي الضعيف بظلاله على صناع السياسة المالية، حيث اتجهت أغلبية دول العالم -وعلى رأسها أميركا والصين وأوروبا- إلى تخفيض سعر الفائدة في البنوك من أجل إنعاش الطلب المحلي، لوقف الآثار السلبية لتراجع معدل النمو.

لكن الأسابيع الأخيرة من عام 2019 شهدت حدثين مهمين، هما الإعلان عن قرب توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق جزئي لإنهاء أزمة الرسوم التجارية بينهما، وهو ما أدى إلى تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية في البورصات العالمية وسوق النفط العالمي، والأمر الثاني فوز حزب المحافظين بالانتخابات في بريطانيا، وإعلانه عن حسم قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك لا يزال شبح الأزمة المالية العالمية المنتظرة في 2020 يخيم على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التداعيات السلبية لارتفاع أزمة المديونية العالمية التي توقع لها معهد التمويل الدولي أن تقفز إلى 255 تريليون دولار بنهاية 2019، وبما يزيد على نسبة ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي، وهذه المديونية تشمل مديونية الحكومات والشركات والأسر.

الصراعات تستنزف اقتصاديات المنطقة

ثمة مجموعة من التحديات تواجه اقتصاديات المنطقة خلال 2020، وعلى رأسها التحدي المتعلق بالتداعيات السلبية للصراعات المسلحة، خاصة بعد التصعيد المصري التركي بشأن ليبيا، وهو ما يعني أن المنطقة مرشحة لأن تكون في مقدمة الدول صاحبة الإنفاق الأعلى على التسليح بين دول العالم كما كانت خلال السنوات الماضية، وبلا شك سيكون ذلك على حساب التنمية، وخصما من مستوى معيشة الأفراد.

كما أن الحراك الذي شهده عام 2019 أو ما سميت الموجة الثانية من الربيع العربي أظهر التحدي الاقتصادي الذي يواجه حكومات دول الحراك، وهي السودان والجزائر ولبنان والعراق، فالدافع الاقتصادي للحراك كان بارزا في مطالب المتظاهرين بهذه البلدان.

وبدون الديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة سيكون من الصعب تحقيق مطالب الحراك في هذه الدول وغيرها من دول المنطقة، من العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروة، والقضاء على الفساد.

وإن كانت توقعات صندوق النقد الدولي تذهب لأن تحقق الدول النفطية في المنطقة معدل نمو 1.3% خلال 2020 فإن أداء سوق النفط يضع صانع السياسة الاقتصادية في حيرة من أمره، إما أن يستفيد من التحسن الموجود في أسعار النفط مؤخرا ليعالج عجز الموازنة، أو يلتزم بسياسة تخفيض الإنتاج وبالتالي يواجه عجز الموازنة.

ولا يواجه الاقتصاد النفطي العربي تحدي الأسعار ومتطلبات سوق النفط فقط، ولكنه يواجه كذلك التداعيات السلبية الأخرى، مثل عزوف الاستثمار الأجنبي المباشر عن المنطقة، خاصة بعد أن تورطت دول الخليج النفطية في حروب مباشرة وصراعات عدة بمنطقة الشرق الأوسط، كما أن الإجراءات التقشفية التي تعيشها المجتمعات النفطية العربية لها تداعياتها السلبية التي لا يتوقع لها أن تنفرج في الأجل المتوسط.

وبقي التأكيد على أن منطقة الشرق الأوسط عموما، والمنطقة العربية خصوصا سيكون من الأصعب خلال 2020 التوقع بدخولها في كيان إقليمي اقتصادي يسعى لتنميتها أو تحسين موقفها على خريطة الاقتصاد العالمي، فالمنطقة تتنازعها مشروعات عدة غير عربية، والمشروع العربي لا داعم له.

ولا يعتبر المحيط الإسلامي بعيدا عن المحيط الشرق أوسطي أو العربي، وإن كان يتوقع لقمة الخمس الإسلامية -التي عقدت بماليزيا في ديسمبر/كانون الأول 2019- أن تكون نواة لمشروع اقتصادي إسلامي، ولكن يبقى الواقع ليصدق هذه الأماني أو يكذبها.

فتركيا التي تعتبر العصب الحقيقي لهذا التجمع تواجه تحديات جمة على صعد مختلفة، وإن كان الاقتصاد التركي قد شهد تعافيا ملحوظا خلال عام 2019 إلا أنه منذ الإعلان عن اتفاقها مع ليبيا تراجعت عملتها بنحو 20 قرشا أمام الدولار.

كما أن إيران التي تعتبر رقما مهما في معادلة إقليم الشرق الأوسط تدخل عام 2020 ورئيسها روحاني يصرح بأن أوضاع بلاده هي الأصعب على مدار الأربعين عاما من الناحية الاقتصادية، بسبب التداعيات السلبية لفرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.


 صراع المصالح

ثمة توقعات بأن يكون الاتفاق الجزئي الذي ينتظر أن يتم بين أميركا والصين بشأن خلافهما التجاري بداية لإنهاء الصراع، ولكن الحقيقة أن كلا الطرفين لديه مصالحه الاقتصادية على الصعيدين المحلي والعالمي، وستوظف قضية الرسوم الجمركية في ضوئها.

فالطموح الصيني لا حدود له، في حين تركز السياسة الأميركية تجاه دور الصين في الاقتصاد العالمي على أن تظل محصورة في إنتاج السلع التقليدية، والصناعات محدودة التكنولوجيا، على أن تظل أميركا هي راعية التكنولوجيا في العالم، ولعل الفارق بين الناتج المحلي للدولتين يعكس نتائج هذه السياسة، فالناتج المحلي لأميركا يصل لنحو 21 تريليون دولار، بينما الصين بحدود 12 تريليونا.

ولا يعني ذلك أن الصين تسلم لأميركا بهذه المعطيات، ولكنها تعي أن صراع التكنولوجيا هو الحاجز الأخير لتصدرها خريطة القوى الاقتصادية العالمية، ولذلك نجد أن بعثاتها التعليمية إلى أميركا وكندا وأوروبا في زيادة مستمرة، وكذلك تركيز استثماراتها في قطاع التكنولوجيا.

وثمة مجالات أخرى للصراع الأميركي الصيني، من أبرزها التمدد الصيني اقتصاديا في أماكن مختلفة بالعالم عبر تقديم القروض للحكومات أو الدخول في استثمارات صينية بالدول المختلفة.

وقد يبدو الأمر محسوبا من قبل أميركا لهذا التواجد الصيني كما هو الحال لتواجده في الاقتصاد المصري ودول الخليج وفي أفريقيا.

والصين تقبل بهذا التمدد الهادئ حتى تتمكن من الوصول إلى مرحلة أن تكون جزءا من عصب هذه الاقتصاديات ولا يمكن الاستغناء عنها كما فعلت أميركا من قبل في دول جنوب شرق آسيا.

ولكن على صعيد الدولتين، أميركا والصين، تظل التحديات الداخلية لكل منهما قائمة في 2020، حيث تجاهد أميركا باستمرار لبقاء معدلات النمو مرتفعة، وأن تظل معدلات البطالة منخفضة، وأن تسترضي رجال الأعمال، خاصة في ظل قدوم الانتخابات الرئاسية هذا العام، وطموح الرئيس دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية على الرغم مما يتعرض له من إجراءات لعزله.

كما أن الصين لديها مشكلات كبيرة فيما يتعلق بأزمة مديونياتها الداخلية وتعثر الشركات، وكذلك معالجة الآثار السلبية الناتجة عن أزمة الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا على المنتجات الصينية.

 تخفف بريطاني

عند قيام الوحدة النقدية للاتحاد الأوروبي في عام 2000 وصدور اليورو كعملة موحدة اشترطت بريطانيا أن تحتفظ بعملتها، لما يمثله ذلك لها من حتميات تاريخية لا يمكن الاستغناء عنها، وبعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كانت بريطانيا ممن يدعون لإعادة النظر في منظومة المؤسسات المالية العالمية، والبحث عن نظام مالي ونقدي جديد يتجاوز ما قام عليه نظام البنك والصندوق الدوليين في 1947.

وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قرار تحكمه المصالح الاقتصادية البحتة على الرغم مما تمثله بريطانيا للاتحاد من أهمية حضارية وتاريخية، لكنها رأت في الاتحاد الأوروبي كيانا مثقلا باقتصاديات ضعيفة، وأنها تدفع فواتير تنمية لدول أخرى، خاصة بعد ضم نحو عشر دول أوروبية للاتحاد مطلع الألفية الثالثة.

ويجب ألا نقرأ الأمر على أنه بداية تهدم الاتحاد الأوروبي، فالتجربة التاريخية ترشدنا إلى أن أوروبا تتعامل مع مشاكلها على أنها قابلة للحل وليست بدايات للهدم.

الحساب والمساءلة

تبقى حسابات الأعوام باستقبالها وانقضائها ملهمة في دول تعي أهمية الوقت، فالحكومات الديمقراطية تجد نفسها ملزمة أمام شعوبها الحية بتقديم كشف حساب عما مضى، وخطة لما هو مقبل.

لكن الأمر في منطقتنا العربية أو في أمتنا الإسلامية ليس كذلك، خطط ورقية لمتطلبات الظهور الإعلامي والديكور السياسي، فكم من الخطط والإستراتيجيات قدمت للبرلمانات والشعوب تتعلق بحلول عام 2020 في المنطقتين العربية والإسلامية، ولكن لا أحد يشعر بالمحاسبة من الحكومات في تلك الدول لأمرين، الأول: غياب دور الأجهزة الرقابية، وكذلك غياب الرقابة من قبل المجتمع الأهلي، والثاني: أن الشعوب ومنظمات مجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي لا تتذكر هذه الخطط والإستراتيجيات، لأنها يوم تلقتها لم تكن تثق في جدية الحكومات في العمل بها