سيناريوهات الصراع بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين لازالت مفتوحة وتلقي بظلال سلبية على مناخ الاقتصاد العالمي، فلم يتوقف الأمر على مجرد فرض ضرائب جمركية من قبل أمريكا والصين على السلع المتبادلة بينهما، بل انتقل إلى اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصين وروسيا بالتلاعب بالعملات من خلال سعر صرف عملتيهما.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أصدرت مؤخراً تقريرها نصف السنوي، والذي يصدر منذ عام 2016 حول مراقبتها لشركائها التجاريين تجاه العملة، دون تسمية لأحد أو اتهام بالتلاعب بالعملة، وكان هذا التقرير يرصد أداء الصين واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، وضم هذا العام الهند.
وثمة مخاوف من أن تتفاقم الأمور لتنضم العملات للحرب التجارية والاقتصادية الدائرة بين الكبار، بل وسيكون المحور الثالث هو التنافس على رفع معدلات سعر الفائدة، الذي تنوى أمريكا اتخاذ قرارات بشأنه قريباً، وهو ما سيدفع العديد من الدول لاتخاذ نفس الخطوة، بغية جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ووقف زحف الأموال إلى السوق الأمريكية.
ووسط هذه الأجواء المضطربة اقتصادياً، يأتي الاهتمام باقتصاديات دول الخليج، التي لم تفق بعد من التداعيات السلبية لأزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وكذلك دخولها في دوامة الخلافات السياسية البينية التي نشبت في يونيو 2017، وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية تتعلق بتداعيات الحصار الاقتصادي والمقاطعة بين دول الخليج، بل وتورط بعضها في نزاعات مسلحة، مما أثر على مستوى أدائها الاقتصادي.
وتشير البيانات إلى أن إجمالي الناتج المجلي الإجمالي لدول الخليج بلغ 1.35 تريليون دولار بنهاية 2016، كما أن معدل النمو انخفض في نفس العام إلى 2%، مقارنة بـ 3.5% في عام 2015. وإن كانت المؤشرات تشير إلى تحسن الناتج خلال 2017 لاستمرار سعر برميل النفط أعلى من 60 دولار طوال العام، بل واستمر في حالة من شبه الاستقرار أعلى من 65 دولار، وهو ما يعني أن أداء الناتج لدول الخليج سيكون أفضل من 2016، ولكن تبقى طبيعة النفقات في ظل أجواء متوترة سياسياً وأمنياً ضاغطة على الموارد المالية لدول الخليج.
ووسط حالة السيناريوهات المفتوحة للحرب التجارية والاقتصادية، نجد أن دول الخليج فقدت مقومات التعامل من خلال مجلس التعاون، وأن لكل منها خطته في التعامل مع التطورات الاقتصادية إقليمياً وعالمياً، وهو ما سيضعف موقفها، وبخاصة أنها لا زالت تعتمد على النفط كسلعة إستراتيجية في أدائها الاقتصادي سواء لطبيعة الموارد الحكومية، أو في أداء الصادرات، فلا يزال النفط يمثل نسبة تزيد عن 90% من الصادرات السلعية لدول الخليج.
وفيما يلي نستعرض تأثيرات الحرب التجارية والاقتصادية التي تشهد مؤشراتها تصعيداً متبادلاً بين أمريكا وكل من الصين وروسيا، وإن كانت أطراف أخرى في موقف المراقبة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، ولكنها لن تقف مكتوفة اليد، أمام مصالحها التجارية والاقتصادية، وإن كانت قد سجلت اعتراضها على السياسة الأمريكية بشأن الحماية التجارية.
على مدار الأيام القليلة الماضية قفزت أسعار النفط لخام برنت أعلى من سقف 70 دولار للبرميل، و67 دولار للخام الأمريكي، ولكن هذه القفزات ليست نتيجة حالة من التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي العالمي، ولكن بسبب مخاوف حول استمرار الامدادات من منطقة الشرق الأوسط.
وكان السيناريو المرجح في ظل الأزمة التجارية العالمية بشأن النفط، أن يقل الطلب بسبب حالة الركود المنتظرة نتيجة الحرب التجارية، وهو ما سيؤثر بلا شك على الأوضاع المالية لدول الخليج. وكانت تقديرات صندوق النقد الدولي قد ذهبت إلى أن تحقيق نقطة التعادل بموازنات دول الخليج وفق أسعار النفط متفاوتة، ما بين 47 دولار للبرميل في كل من الكويت وقطر، ونحو 61 دولار للبرميل للإمارات، والسعودية عند سعر برميل النفط 70 دولار، كانت البحرين عند السقف الأعلى بتقديرات 92 دولار للبرميل.
وهذا التفاوت يعكس استمرار الأزمة المالية بدول الخليج، بشكل عام، حيث لا يزال الاقتصاد الأكبر وهو الاقتصاد السعودي لم يصل لحالة من الاستقرار بشأن سعر النفط المحقق لنقطة التعادل لميزانيته، هذا بفرض أن السعودية قد توقفت عن حربها في اليمن، ودعمها لدول أخرى.
تستثمر معظم دول الخليج في صناعة البتروكيماويات، وكان حجم صادراتها في 2016 قد بلغ نحو 48 مليار دولار، وإن كان منخفضاً عما تحقق في 2014 عند قيمة صادرات 64 مليار دولار، والفرصة هنا أمام الصناعة الخليجية في هذا المجال، آتية من خلال ما فرضته الصين من ضرائب جمركية على واردات البتروكيماويات من أمريكا.
وبذلك سيتيح هذا الوضع ميزة تنافسية للمنتجات الخليجية، ويمكنها من أن تزيد من صادراتها للصين، لأنها ستكون معفاة من الضرائب المفروضة على المنتجات الأمريكية، ولكن هل ستدخل الدول الخليجية حلبة المنافسة مع أمريكا في ضوء قواعد اللعبة الاقتصادية؟ ومن جانب آخر هل سيكون لدى القاعدة الإنتاجية لدول الخليج بهذه الصناعة المرونة اللازمة للتفاعل في الأجل القصير لتوفي باحتياجات الصين، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك منافساً قوياً قد يستفيد من هذه الفرصة أيضاً وهو كوريا الجنوبية.
لا نحسب أن الظروف السياسية الحالية التي تعكس حالة من النزاع الشديد داخل دول مجلس التعاون الخليجي ستمكن الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات من ممارسة دور، يمكن من تعظيم فرصة الخلاف بين أمريكا والصين، من أجل زيادة الصادرات البتروكيماوية الخليجية، وبذلك ستمارس دول الخليج العادة العربية الأصيلة في إهدار الفرص.
على الرغم من أن قضية حرب العملات ودورها في التجارة الدولية، موضوع مثار منذ بداية الألفية الثالثة، وكانت هناك مطالبات من أمريكا والاتحاد الأوروبي للصين برفع قيمة عملتها، إلا أن الأيام القليلة الماضية، شهدت منحى جديداً يتعلق باستعداد أطراف الصراع لدخول هذا المعترك بصورة واضحة.
فالمسؤولون الصينيون أعلنوا بعد فرض الضرائب الجمركية على صادراتهم لأمريكا، أنهم يدرسون قضية تخفيض قيمة عملتها لتفادي الخسائر المتوقعة لصادراتهم للعالم، وهو ما قوبل بتصريح ترامب باتهام الصين وروسيا بالتلاعب بعملتيهما للإضرار بالتجارة الأمريكية، وتحقيق فوائض تجارية على حساب الاقتصاد الأمريكي.
وموقف الاقتصاد الخليجي من هذه القضية، قد يكون إيجابياً من جهة، وسلبياً من جهة أخرى، فسيكون إيجابياً من خلال انخفاض قيمة فاتورة الواردات من قبل كل من أمريكا والصين على وجهة التحديد، وحسب بيانات عام 2016 فقد بلغت قيمة الواردات الخليجية 710 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات في نفس العام 735 مليار دولار.
أما الجانب السلبي فسيتمثل في خفض قيمة الثروة والاستثمارات الخليجية الموجودة في كل من الصين وأمريكا، سواء كانت استثمارات مباشرة أو غير مباشرة، كما أن العوائد على تلك الاستثمارات ستنخفض قيمتها بالتبعية نظراً لتراجع قيمة عملات أمريكا والصين