الرئيسية / الاقتصاد العالمي / بنجلاديش اقتصاد عشر سنوات ديمقراطية

بنجلاديش اقتصاد عشر سنوات ديمقراطية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-10-2001
  • 111
بنجلاديش اقتصاد عشر سنوات ديمقراطية
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

شهدت بنجلاديش أولى انتخاباتها البرلمانية في الألفية الجديدة في أكتوبر 2001م الجاري، وتُعَدُّ هذه الانتخابات الثالثة حسب النظام البرلماني الذي عرفته البلاد منذ عام 1991م بعد أن أطاحت أحزاب المعارضة بحكومة الجنرال "حسين إرشاد"، وبذلك فقد عاشت البلاد تجربة ديمقراطية عمرها عشر سنوات؛ حكومة البيجوم "خالدة ضياء": خلال الفترة 91 – 1996، وكذلك الحكومة السابقة بزعامة الشيخة "حسينة واجد" والتي تولَّت السلطة منذ 1996 – 2001م، وعودة الحكم إلى البيجوم "خالدة ضياء" في الانتخابات الأخيرة.

وتُعَدُّ بنجلاديش ثالث أكبر دولة إسلامية من حيث التعداد السكاني بعد إندونيسيا وباكستان، وفضلاً عن تعرضها السنوي للإعصار والفيضانات التي تشرد الآلاف من أبناء بنجلاديش (ففي خلال الفترة من 1969 - 1993 بلغ المتوسط السنوي من الذين تأثروا بالكوارث أو قتلوا فيها نحو 10.9 مليون فرد)، فوضعها كبلد يصنف ضمن اقتصاديات البلاد الأشد فقرًا أو الأقل نموًّا يدفعنا للاهتمام بأثر التطور الديمقراطي على الوضع الاقتصادي، فماذا حدث من تطور على الحياة الاقتصادية خلال فترة العشر سنوات الماضية؟

بين "البوستي" و"الركشة"

بلغ تعداد سكان بنجلاديش 8, 129 مليون نسمة في عام 2000م، وفق تقرير البنك الدولي، على رقعة جغرافية لا تتناسب أبدًا مع هذا العدد الهائل من البشر؛ حيث تبلغ مساحتها الكلية 144 ألف كيلو متر مربع، أي أن كل كيلو متر مربع به 886 فردًا، بينما كان عدد السكان في عام 1990م نحو 106.7 ملايين نسمة، أي أن متوسط الزيادة السكانية خلال 8 سنوات بلغ نحو 2.6 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل التعداد السكاني إلى نحو 161.5 مليون نسمة بحلول عام 2115م.

وتأتي هذه الزيادة السكانية الضخمة على الرغم من انخفاض معدل الخصوبة لدى المرأة البنجلاديشية؛ حيث وصل هذا المعدل في عام 1997م إلى 3.1، بينما كان في عام 1990م نحو 4.6، وقد لا تجد غرابة من هذه الإحصاءات إذا ما تجوَّلت في شوارع بنجلاديش، سواء في الريف أو الحضر؛ حيث المساحات الضيقة للبيوت، خاصة بيوت الفقراء التي لا تزيد مساحتها عن نحو 6 أمتار مربعة، وهي في العادة مصنوعة من البوص أو الزنك على أحسن الأحوال، وبها أسرة مكونة من خمسة أو ستة أفراد.

وبالطبع لا يعني هذا عدم وجود قصور فاخرة بالعاصمة "داكا" أو "شيتاجونج"، على أحدث الطراز الإنجليزي، ولكن هذا لشريحة محدودة جدًّا من ذوي الدخول المرتفعة، وتتواجد تجمعات الفقراء السكانية في كل مكان حتى حول سكن الأثرياء، كما توجد شريحة من السكان بلا مأوى، حيث يتخذون من الكرتون وبعض ألواح الصاج مواد لصنع بيوتهم التي لا تصلح للسكن الآدمي، فهي لا تزيد عن مساحة 2×2 متر وبارتفاع 1.5 متر على الأكثر تعيش بداخلها أسرة كاملة، ويطلق عليهم في بنجلاديش "البوستي" أي سكان الشوارع، ويمثل هؤلاء بؤر للكثير من المشكلات الاجتماعية.

ويعتمد معظم هؤلاء في دخولهم على قيادة "الركشة"، وهي وسيلة المواصلات الأكثر انتشارًا في شوارع بنجلاديش، وهي دراجة عادية توضع عليها مظلة للوقاية من المطر أو الشمس ولها ثلاث عجلات بدلاً من اثنتين في الدراجة العادية، وفي الغالب لا يمتلكون هذه الركشة، ولكنهم يستأجرونها للعمل عليها مقابل أجر يومي، وبعد يوم عمل مجهد يحصل قائد الركشة على نحو 50 تاكا، أي ما يعادل دولارًا أمريكيًّا واحدًا.

ملايين الفقراء.. رغم التحسن

في عام 1990م كان الناتج المحلي الإجمالي في بنجلاديش يبلغ 22.8 مليار دولار، ولكن في عام 2000م وصل إلى أكثر من الضعف؛ إذ بلغ 9, 47 مليار دولار. ومن ناحية أخرى فإن الأهمية النسبية للقطاعات الاقتصادية في مكون الناتج المحلي قد تغيرت بشكل جذري، ففي عام 1990م كان قطاع الزراعة هو القطاع الرائد، حيث يشكل 38% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه في عام 2000م تراجعت هذه النسبة لتكون 8, 25%. ومن المعروف أن جزءاً كبيرًا من الزراعة في بنجلاديش يعتمد على الأمطار على الرغم من وجود سبعة أنهار بالبلاد، ولكن لا يستفاد من مياهها بشكل جيد؛ بسبب عدم وجود شبكة للري والصرف الزراعي.

أما قطاع الخدمات فقد سجل تقدمًا ملحوظًا؛ إذ بلغ 49% من الأهمية النسبية لمكون الناتج المحلي الإجمالي، في حين كان في عام 1990م نحو 26%، وبذلك احتل قطاع الخدمات المرتبة الأولى بين القطاعات الاقتصادية في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وأما قطاع الصناعة، فعلى الرغم من حدوث تقدم في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي فإنه لا يزال يحافظ على المرتبة الوسطى بين قطاعي الزراعة والخدمات، ففي عام 1990م بلغت نسبة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي 15% زادت في عام 2000م لتصل إلى 25%.

وتحتل صناعة المنسوجات والأقمشة نسبة 47% من القيمة المضافة في الصناعة التحويلية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صناعة المنسوجات والأقمشة من الصناعات التصديرية لبنجلاديش، وهي تحظى باهتمام بالغ من قبل المستثمرين في بنجلاديش، ولكن الجانب السيئ لها الظروف السلبية التي تعمل فيها النساء خاصة في هذه الصناعة؛ إذ يمثلن قوة العمل الحقيقية داخل هذه الصناعة لانخفاض أجورهن، وكذلك ساعات العمل التي تصل إلى 12 أو 15 ساعة يوميًّا بأجر يصل إلى 30 دولارًا شهريًّا. ولا تُعَدُّ مصانع النسيج والملابس الصورة السلبية الوحيدة لعمالة النساء في بنجلاديش، فهناك عمل آخر شاق للنساء، حيث يقمن بتكسير الطوب الأحمر إلى قطع صغيرة لاستخدامه في عمل الخرسانة بدلاً من الزلط، وعادة ما يقمن بهذا العمل في الشوارع متعرضات للأمطار أو حرارة الشمس الشديدة.

وأيًّا كانت الأحوال فإن الإحصاءات تشير إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 380 دولارًا في عام 2000م، بعد أن كان 274 دولارًا في عام 1990م، وهو ما يعني وجود تحسن بلغ قدره نحو 74 دولارًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال الثماني سنوات الماضية. ومع ذلك التحسن فإن تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2000م يشير إلى وجود نحو 40 مليون فرد في بنجلاديش يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار في اليوم، ويمثل هؤلاء 30% من قوام الشعب البنجلاديشي.

من المؤشرات الاقتصادية الجيدة التي يشهدها الاقتصاد البنجلاديشي زيادة حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر؛ إذ بلغ في عام 1999م نحو 178,6 مليون دولار، بينما كان في عام 1990م نحو 3 ملايين دولار، وهو ما يعني أن هناك ربطًا بين العملية الديمقراطية التي حقَّقتها بنجلاديش وتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تبحث عن مصالحها في ظلِّ استقرار سياسي، الذي من المفترض أن تنتجه الديمقراطية، ويلاحظ أن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات يتجه إلى صناعة النسيج والملابس الجاهزة، وهي عادة ما تكون استثمارات مشتركة مع المستثمرين في بنجلاديش.

همُّ الدَّين

من القضايا التي نالت اهتمامًا كبيرًا خلال الفترة الماضية الديون الخارجية للدول الفقيرة ومنها بنجلاديش، وقد أطلقت هذه الدول دعوة للدول المتقدمة لإسقاط هذه الديون، ولكنها لم تجد آذانًا صاغية. ويلاحظ في حالة بنجلاديش أن هذه الديون بلغت في عام 1997م نحو 15.1 مليار دولار، وبما يمثل 35.1% من حجم الناتج القومي الإجمالي، بينما كان هذا الدين في عام 1990م نحو 12.2 مليار دولار، وبما يمثل نحو 53.8% من الناتج القومي الإجمالي؛ أي أن الزيادة خلال 7 سنوات بلغت نحو 3 مليارات دولار، إلا أننا نلاحظ أن نسبة هذه الديون إلى الناتج القومي الإجمالي قد انخفضت بمعدل 18.7%، وهو ما يُعَدُّ تحسنًا في إدارة الدين الخارجي، ولكن تظل قضية الدين الخارجي أحد العوامل المعوقة لمشروعات التنمية في بنجلاديش.

صادرات وواردات

الصادرات البنجلاديشية من السلع والخدمات في عام 1990م بلغت نحو 1.9 مليار دولار قفزت إلى نحو 6, 13 مليار دولار في عام 2000م، أما الواردات من السلع والخدمات ففي عام 1990م كانت 4.1 مليارات دولار، بينما وصلت في عام 2000م إلى 7, 18 مليار دولار، ونجد أن الفرق لصالح الواردات، وهو ما يعكس بطبيعة الحال العجز في ميزان التعاملات الخارجية.

على الرغم من رصدنا لبعض الجوانب الإيجابية في المؤشرات الاقتصادية العامة لبنجلاديش خلال العشر سنوات الماضية، والتي أمضتها تحت قيادة حكومات أتت بطريقة ديمقراطية، فإن النتائج كان المرجو منها أن تكون أفضل من ذلك، فالعملية الديمقراطية ليست شقًّا إجرائيًّا فحسب، حيث يبقى جوهرها إعلاء قيمة الإنسان، وإزالة عراقيل تقدمه، وتحطيم البيروقراطية. وحالة بنجلاديش - بعد فترة عشر سنوات من الديمقراطية - ما زالت تنتظر ذلك.