الرئيسية / الاقتصاد العالمي / بايدن يسطو على أموال الشعب الأفغاني

بايدن يسطو على أموال الشعب الأفغاني

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-03-2022
  • 100
بايدن يسطو على أموال الشعب الأفغاني
  • المصدر: العربي الجديد

في قرار كان متوقعاً من قبل الولايات المتحدة بشأن احتياطي أفغانستان من النقد الأجنبي، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم 12 فبراير 2022، قراراً تنفيذياً بتجميد رصيد أموال البنك المركزي الأفغاني. 

ليس هذا فحسب، بل قرر تقسيم تلك الأموال إلى قسمين، الأول بقيمة 3.5 مليارات دولار توضع في صندوق بفائدة وينفق منه على ما سُمي "فائدة الشعب الأفغاني ومستقبل أفغانستان"، دون أن تُسلم لحكومة طالبان، والثاني قيمته 3.5 مليارات دولار، سيخصص لصالح الدعاوى القضايا لتعويض المتضررين من مواطني أميركا بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. 

سبق أن تم الإعلان عن أن تلك الأموال، تقترب من 10 مليارات دولار، فور سقوط نظام أشرف غني، الموالي لأميركا، في كابول في أغسطس 2021، وخلال قرابة 6 أشهر تم تخفيض قيمة تلك الأموال إلى 7 مليارات دولار فقط! 

لا يعكس ما أُعلن من قبل الرئيس الأميركي، سوى عدة أمور، الأول معاقبة الشعب الأفغاني، الذي ذاق ويلات الحرب من أميركا وحلفائها بحلف الناتو لأكثر من عقدين، بحرمانه من الاستفادة بتلك الأموال.

والثاني، غياب الشفافية في ما يتعلق بما تم نهبه، وتخفيض قيمة مبلغ احتياطي النقد الأجنبي للمركزي الأفغاني من 9.5 مليارات إلى 7 مليارات فقط. 

محاولة للخنق 

منذ قرابة 6 أشهر، تسيطر "طالبان" على مقاليد الأمور داخل أفغانستان بشكل كامل، وخلال هذه الفترة فشلت محاولات نشوب حرب أهلية في البلاد، فقد سيطرت الحركة على الوضع الأمني بشكل كبير، بل وتام.

لكن ظلت حكومة "طالبان" تعاني من الأوضاع الاقتصادية، وصعوبة الوضع المالي لتسيير مؤسسات الدولة، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، إذ توقفت رواتب العاملين بالقطاعين على وجه التحديد، بل وفي كل مرافق الدولة. 

لم تجد حكومة طالبان من مخرج، سوى تقديم بعض المواد الغذائية العينية للعاملين، كرواتب، لكنّ احتياجات الدولة المالية أكبر بكثير من هذه الآلية محدودة الأثر.  

وتفيد الأخبار حول هذه الآلية، بأن حكومة طالبان استخدمت جزءا من القمح الذي قدمته حكومة الهند للحكومة السابقة قبل أغسطس 2021، في تقديمه لموظفي الدولة، والذين يقدر عددهم بنحو 40 ألفا، وكذلك تلقت حكومة "طالبان" جزءاً من مساعدة القمح من باكستان.  

وليس هناك من تفسير للخطوة التي أقدم عليها بايدن بتجميد أموال المركزي الأفغاني، وإبعاد يد "طالبان" عنها، سوى خنق الحركة، وتقديمها أمام الشعب في صورة العاجز عن تدبير احتياجات الشعب الضرورية، حتى يثير غضب الشارع عليها وتقوم ثورة من المجتمع على الحركة، وبذلك يتخلصون منها، بأقل تكلفة، أو إيجاد أسباب لاندلاع حرب أهلية هناك، تحت وطأة الأزمة المالية والاقتصادية. 

إنسانية غائبة 

تم تقليص دور منظمات الإغاثة والمساعدات الدولية بشكل كبير بأفغانستان، منذ أغسطس/آب 2021، بعد خروج أميركا وقوات الناتو من البلاد، وهروب قادة النظام السابق برئاسة أشرف غني، فما سمح به من دور لمنظمات الأمم المتحدة، يتعلق فقط، بأجور حراس مقرات الأمم المتحدة في البلاد، وبعض المنظمات الأخرى، لكنّ كلّ المنظمات كانت مشلولة الأيدي، مخافة أن تنالها العقوبات الأميركية إذا مارست نشاطها الإنساني في أفغانستان. 

ومما يعكس الإنسانية المفتقدة لأميركا في أفغانستان، أنّ أرقام الأمم المتحدة، تتحدث عن 23 مليون إنسان يعانون من مستويات بالغة من الجوع، وأنّ نحو 9 ملايين آخرين من سكان البلاد، معرضون للوقوع تحت وطأة الجوع بسبب موسم الشتاء. 

ومع بداية عام 2022، أعلنت الأمم المتحدة، أنّ أعمال المساعدة في أفغانستان، تحتاج إلى تمويل بنحو 4.4 مليارات دولار، لكن لم يُعلن عن إمكانية تدبير المبلغ، إذ تصر أميركا على محاصرة طالبان، كما حاصرت حكومة حماس المنتخبة في فلسطين، عام 2006. 

وفي الوقت الذي تمارس فيه أميركا، ومعها الدول الغربية وحلفاؤها بالناتو، أعمالاً تضر بسكان أفغانستان، لم تتحرك الدول الإسلامية، لتخفيف حدة الأزمة على الشعب الافغاني، سواء بشكل مباشر عبر تقديم المساعدات، أو من خلال الشفاعة أو ممارسة ضغوط على أميركا وحلفائها، لرفع مأساة البلاد المالية والاقتصادية، لأنّها في النهاية تضر بالشعب الأفغاني ككل.  

أوضاع مقلوبة 

بعد أكثر من عقدين من الزمن، مارست فيهما أميركا وحلفاؤها بالناتو أعمال القتل والتعذيب لعموم الشعب الأفغاني، من دون أدنى مسؤولية، كان الواجب أن تُرفع على أميركا وحلفائها، قضايا التعويضات من قبل المجتمع المدني الأفغاني، والضحايا، سواء من الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب إصابات الحروب، أو من أهالي القتلى الذين استهدفتهم حروب أميركا والناتو. 

إنّ حجة أميركا حسب تصريحات المسؤول بالبيت الأبيض، الذي أعلن قرار بايدن، بأنّ هذه الأموال جُمعت في ظل رعاية أميركية، أو من جهات وافقت عليها أميركا، هو منطق مقلوب، فهذه الأموال الآن، هي ملك مؤسسة أفغانية، هي البنك المركزي الأفغاني. 

المتعارف عليه في مثل هذه التجارب، أن تقوم الدول المعتدية على الشعوب ومقدرات البلدان، بالالتزام بدفع تعويضات مادية، ولكن أميركا، تمارس عكس الوضع الطبيعي، في أن تعطي نفسها الحق بالتصرف في أموال الأفغان، من دون سند من القانون الدولي، أو قرارات صادرة من المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

لقد أعطت أميركا لنفسها الحق في تعويض مواطنيها المضارين في أحداث 11 سبتمبر 2001، على الرغم من الغموض الذي يحيط بالحادث، وعدم تحديد متهمين ضالعين على وجه التحديد، يمكن اعتبارهم مواطنين من أفغانستان، أو أن حكومة "طالبان" في ذلك الوقت، هي من حرضت الفاعلين، أو إعلانها تبني الحادث. 

جرائم أميركا وحلفائها في أفغانستان، موثقة، ولا يزال المتضررون، موجودين، يعانون مواجهة متطلبات الحياة، في ظل إعاقتهم الدائمة الناتجة عن إصابات الحروب، وكلّ المصابين هم من المدنيين، مما يجعل الإلزام بالتعويضات لهؤلاء وغيرهم من أسر القتلى، واجبا في حق أميركا وحلفائها. 

البحث عن فاسدين 

البديل عن "طالبان" في أفغانستان، جُرب على مدار عقدين من الزمن، وكانت النتيجة إقامة حكومة صنفت على مدار سنوات، ضمن أفسد 10 دول على مستوى العالم، وفق تقويم مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، ولا أدل على ذلك من الأموال السائلة، التي تم العثور عليها في منازل قادة نظام أشرف غني بعد فرارهم من كابول، فقد بلغت هذه الأموال المضبوطة ملايين الدولارات في أحد بيوت القادة الهاربين.  

وعلى مدار 6 أشهر، لم يتحرك سعر صرف الدولار كثيراً في أفغانستان، ففي أغسطس 2021، كلن سعر الدولار بحدود 86 أفغانية، بينما السعر يوم 12 فبراير/شباط 2022، بحدود 93 أفغانية، وبعد الإعلان عن قرار التجميد، قفز السعر إلى 99 أفغانية للدولار. 

إذاً، طالبان استطاعت أن تسيّر الأوضاع المالية والاقتصادية، بأقل خسائر ممكنة، خصوصاً أنّها سمحت بتسيير التجارة عبر الطرق البرية، مع كلّ من باكستان وإيران، وبما يسمح بتوفير الاحتياجات اللازمة لمتطلبات المعيشة هناك.

ويتوقع مع التضييق الذي تمارسه أميركا مع حكومة "طالبان" أن يشهد سعر الدولار المزيد من التراجع في سوق الصرف المحلي الأفغاني.