لا ينبغي قراءة خريطة العلاقات الاقتصادية بين الدول في إطار رقمي كحجم التبادل التجاري أو قيمة الاستثمارات المتبادلة وحسب، بل ينبغي البحث في إطار ودور كل عنصر مؤثر في هذه الخريطة ومعرفة حجمه وخصائصه. كذلك طبيعة الدور الذي يقوم به على المستويين؛ الإقليمي والدولي. يتطلب ذلك، بلا شك، تناول التبادل التجاري وقيمة الاستثمارات المتبادلة ودلالاته.
تؤكد قراءة علاقة دول الخليج بالصين قوة بكين الاقتصادية وكونها ثان أكبر قوة اقتصادية عالمياً، فضلًا عما تتميز به من موارد بشرية وطبيعية ومالية ضخمة. فالصين، شبه قارة، وهي تتمدد في علاقاتها الاقتصادية في محورين، الأول تثبيت مكانتها على خريطة الاقتصاد العالمي، والثاني كونها المنافس الأوحد للولايات المتحدة في صراع تصدر قائمة القوة الاقتصادية الأولى حول العالم.
أهم مؤشرين يمكن النظر إليهما في ميزان القوة الاقتصادية بين دول الخليج والصين، هما الناتج المحلي الإجمالي وقيمة الصادرات السلعية. وفيما حققت الصين ناتجًا محليًا في 2020 بنحو 14.7 تريليون دولار، حققت دول الخليج ناتجًا بنحو 1.4 تريليون دولار، أما على مستوى الصادرات السلعية، فبلغت صادرات الصين 2.5 تريليون دولار، بينما الصادرات السلعية لدول الخليج كانت بحدود 840 مليار دولار فقط، وبالتالي فميزان القوة الاقتصادية في صالح الصين بشكل كبير.
في نفس الوقت فدول الخليج، تعد من أكبر منتجي النفط، كسلعة استراتيجية، ولديها مخزون استراتيجي، يجعل العديد من الدول تحرص على إقامة علاقات معها. ويمكن لدول الخليج أن تؤثر بشكل كبير على أوضاع الطاقة في العالم، عبر حصتها في الإنتاج العالمي للنفط، الذي يصل إلى نحو 20%، فضلًا عما لديها من ثروات في صناديقها السيادية والتي تقدر بنحو 2.6 تريليون دولار.
وبالتالي، تبدو حاجة الطرفين إلى بعضهما البعض متبادلة وإن كانت أوزانها مختلفة. وإذا كنا نتحدث عن العلاقات التجارية والاقتصادية، فإننا لا ننسى الجوانب السياسية التي يمكن النظر إليها في تقرُب دول مجلس التعاون الخليجي بسببها من الصين، والتي تتعلق بالعلاقات الوثيقة بين الصين وإيران، وبخاصة دعم الصين لإيران طوال الفترة الماضية، فيما يتعلق بخلافها مع الولايات المتحدة ودول أوروبا، ورفض الصين لفرض عقوبات اقتصادية على إيران. وتستهدف دول مجلس التعاون الخليجي أن تنحاز الصين لجانبها، في خلافها مع إيران، والمنافسة القائمة بينهما منذ سنوات، والتي تجلت بشكل عملي على أرض اليمن التي تشهد حربًا منذ نحو 7 سنوات.
في ضوء التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، تراجعت قيمة التبادل التجاري بين دول الخليج والصين إلى 161.7 مليار دولار نهاية عام 2020، بعد أن كانت 179.3 مليار دولار في عام 2019، وبلغت الصادرات السلعية الخليجية للصين 90.57 مليار دولار في عام 2020، بينما بلغت الواردات السلعية لدول الخليج من الصين 70.82 مليار دولار في العام نفسه، وكان الميزان التجاري في صالح دول الخليج بنحو 19.74 مليار دولار. من المتوقع إذا ما تم السيطرة على متحورات فايروس كورونا، وزاد طلب الصين على النفط، أن تعود قيم التبادل التجاري بين البلدين للزيادة وسيكون الميزان التجاري لصالح دول الخليج أيضاً، نظرًا لما تشهده السوق الدولية للنفط من ارتفاع للأسعار.
ولكن لابد أن نأخذ في الاعتبار أن عماد علاقة الصين بدول الخليج، قائمة على دولتي السعودية والإمارات حيث تشكلان نسبة 71.9% من إجمالي التبادل التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي مع الصين في عام 2020، وهي سمة غالبة في علاقة دول الخليج مع أي مكون خارجي.
أما على صعيد الاستثمارات المباشرة المتبادلة، فقد بلغت الاستثمارات التراكمية للصين في المنطقة العربية على مدار الفترة من عام 2005 – 2020 ما قيمته 196.9 مليار دولار، وكالعادة نجد أن السعودية والإمارات تستأثران بنصيب الأسد من هذه الاستثمارات بنسبة 38% تقريبًا، حيث تستحوذ السعودية على39.9 مليار دولار من هذه الاستثمارات والإمارات على نحو 34.7 مليار دولار. أما عن الاستثمارت الخليجية المباشرة في الصين، فلا توجد أرقام رسمية مقطوع بها، ولكن أرقام متداولة في الاعلام، منها أن الاستثمارات العربية المباشرة في الصين في عام 2020 بلغت 3.8 مليار دولار، وأيًا كان الرقم، فإن الدرس المستفاد للاستثمارات العربية الخارجية، وبخاصة الخليجية، بعد أحداث سبتمبر 2001 في أميركا، هو تنوع مجالات وأماكن الاستثمار، والبعد – قدر المستطاع – عن الولايات لمتحدة والغرب، وهو ما جعل الصين ودول جنوب شرق آسيا منذ ذلك الوقت وجهة مقبولة للاستثمارات الخارجية لدول الخليج العربية.
أولاً: لا يتم تنظيم العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاول الخليجي في ضوء تكتل خليجي مقابل الصين، ولكن تتم العلاقات في إطار كل دولة على حدة، لذلك تستطيع الصين أن تزيد من فرص أرباحها مع دول الخليج.
ثانياً: تعتمد دول الخليج على سلعة وحيدة وإن كان لها أهميتها بالنسبة للصين وهي النفط والغاز الطبيعي. لكن الصين، يمكنها خلال الفترة القادمة أن تقلل من وارداتها النفطية بشكل عام، ومن منطقة الخليج بشكل خاص، في ضوء استراتيجيتها للتخلص من الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، والملوثة للبيئة. وعلى الجانب الآخر، تصدر الصين لدول الخليج الآلات ومستلزمات الإنتاج والسلع تامة الصنع، بل وتتخذ من بعض دول الخليج كمراكز تسويق لمنتجاتها، كما هو الحال في الإمارات.
ثالثاً: تعاني دول الخليج من تذبذب علاقاتها ببعض القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا حول التصورات الخاصة ببعض الملفات داخل الدول الخليجية أو الملفات الخاصة بالشرق الأوسط. لذلك تعتقد دول الخليج أن من صالحها ألا تركز علاقاتها التجارية والاقتصادية، بل والسياسية في طرف واحد، ولذلك نجد أن دول الخليج خلال السنوات الماضية، تحاول أن توطد علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، وإن كانت بقدر أقل مما هي عليه مع أميركا والغرب، ولكنها تشهد تزايد مقارنة بذي قبل.
رابعاً: تستطيع دول الخليج أن تستفيد بشكل كبير من التقدم التكنولوجي الذي تحرزه الصين في مجالات عدة، وبخاصة في المجال العسكري والصناعات المدنية، مما يجعلها تمتلك تكنولوجيات متنوعة لتستفيد من الأفضل بالنسبة لمشروعها التنموي والأمني. وهو ما يتطلب بذل جهود لتوطين هذه التكنولوجيات في دول الخليج، ولن تنجح هذه الجهود في ظل الأداء القُطري لكل دولة. عوض ذلك، لابد من تنظيم دول الخليج والتنسيق المستمر لتؤدي إلى نشوء تكتل يعمل على تحقيق مصالح مشتركة.
خامساً: لا تخلو العلاقات التجارية والاقتصادية الخارجية للدول من توظيف سياسي، وتعتقد دول الخليج أن الولايات المتحدة ودول أوروبا في بعض الملفات كانت لها وجهات نظر وسياسات مخيبة لآمال ومصالح بعض دول الخليج في مجال التوظيف السياسي، ولعل دول الخليج ترى في الصين بديلاً يمكن الوثوق فيها في بعض الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط. لا يعني ذلك أن الصين باتت تمثل خطرأ على الولايات المتحدة وشراكتها مع دول الخليج على وجه الخصوص، لكنها على المستوى البعيد منافس لا يستهان به