الرئيسية / الاقتصاد العالمي / الأبعاد الاقتصادية والإقليمية لصفقة الغاز المصرية الإسرائيلية

الأبعاد الاقتصادية والإقليمية لصفقة الغاز المصرية الإسرائيلية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-03-2018
  • 109
الأبعاد الاقتصادية والإقليمية لصفقة الغاز المصرية الإسرائيلية
  • المصدر: الجزيرة

الإخوان رفضوا الصفقة
شماعة القطاع الخاص
الرقم الصعب


حاولت بعض وسائل الإعلام إيهام الرأي العام -خاصة في مصر– بأن العائد المادي لصفقة الغاز الطبيعي بين مصر وإسرائيل ينحصر في ثمنها وهو 15 مليار دولار خلال عشر سنوات، والحقيقة أن إسرائيل حققت مكاسب كبيرة من هذه الصفقة، كان أولها قبول مصر بترسيم الحدود في المياه المشتركة مع كل من قبرص وإسرائيل، مما سمح لتل أبيب بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط.

وقد حصدت إسرائيل ثروة من الغاز الطبيعي تسمح لها بأن توفر 50% من احتياجاتها من الكهرباء في عام 2025 بواسطة الغاز الطبيعي بعد أن كان يستخدم الفحم الحجري مصدرا للطاقة، بما يعنيه ذلك من تلوث للبيئة.

كما تحصل إسرائيل على 60% من الغاز المنتج من آبار الغاز التي سيطر عليها، بينما يحق للشركات المنتجة -وهي شركات قطاع خاص إسرائيلية وأميركية- بأن تصدر 40% فقط من الغاز المنتج من هذه الآبار.

وتشير دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب بعنوان "ثورة الغاز الطبيعي في إسرائيل" والصادرة في يناير/كانون الثاني 2014 إلى أن إيرادات صادرات الغاز الطبيعي سوف تمثل ضغطا على الشيكل، وهو ما يمثل ضررا للصادرات عالية التكنولوجيا، ولذلك تقترح الدراسة أن يتم استثمار عوائد تصدير الغاز في صندوق سيادي للكيان الصهيوني في الخارج من خلال امتلاك محفظة من السندات لتمويل الموازنة العامة من عائد هذه السندات خلال الفترة القادمة.

وتتوقع الدراسة أن تصل موجودات هذا الصندوق إلى ثلاثمئة مليار شيكل (88.2 مليار دولار) في عام 2040.

ويسوق الانقلاب العسكري في مصر بأن اتفاقيته لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل نقلة مهمة في مشروع لجعل القاهرة مركزا إقليميا لتصدير الغاز، وأن القطاع الخاص المصري وراء إبرام هذه الصفقة.

ويأتي ذلك في الوقت الذي لم تحقق فيه مصر بعد اكتفاء ذاتيا من الوقود على الرغم من دخول حقل ظهر حيز الإنتاج مطلع 2018، أو حقل غرب الدلتا الذي تمتلكه شركة الغاز البريطانية بالكامل، وتعتمد مصر بشكل كبير في تأمين احتياجاتها من الغاز والنفط على شراء حصة الشريك الأجنبي، ويكلفها ذلك سنويا قرابة خمسة مليارات دولار.

الإخوان رفضوا الصفقة

لم تتناول وسائل الإعلام في مصر أمر عرض إسرائيل توفير الغاز الطبيعي لمصر أثناء وجود محمد مرسي على رأس السلطة في مصر، كما لم يعلن من قبل أجهزة الدولة آنذاك أن أمر هذه الصفقة قد رفض من قبل مصر خلال الفترة حكم مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر.

لكن الباحث سايمون هندرسون زميل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ذكر في بحثه الموسوم بـ"تصدير الغاز الطبيعي.. خيارات إسرائيل وقبرص ومشاريع التعاون بينهما" في نهاية الصفحة الـ13 وبداية الصفحة الـ14 ما يلي "قد تتمكن إسرائيل من الاستفادة من الطاقة غير المستخدمة لإسالة الغاز المصرية، وتحديدا من مجمع سيجاس في ساحل (دمياط) المصري على البحر المتوسط".

"
مصر بتوقيعها المبكر مع قبرص لترسيم الحدود كانت تبحث عن الدعم الإقليمي والدولي عبر البوابة الإسرائيلية، وفي نفس الوقت تحاول أن تضعف الموقف التركي الذي رفض الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر
"

وعندما طرحت الفكرة لأول مرة عارضتها حكومة الإخوان المسلمين وبذلت ما في وسعها لعرقلتها، لكن منذ مجيء حكومة موالية للمؤسسة العسكرية في منتصف العام 2013 عاد الاعتبار لهذا الخيار على ما يبدو.

ففي آب/أغسطس 2013 بعثت شركة "ديليك" الإسرائيلية للحفر إلى بورصة تل أبيب تعلمها فيها بالمباحثات التي تجريها بشأن مد مصر بالغاز، وباقتراحها عكس مسار خط العريش-عسقلان الذي كان يمد إسرائيل بالغاز المصري حتى العام 2012، وذلك بهدف إيصال الغاز الإسرائيلي إلى منشآت الغاز المسال المصرية.

وبالتالي لم يكن الأمر أكثر من استجابة الحكومة المصرية لمخطط إسرائيل لتسويق الغاز الطبيعي المنتج في آبار مياه البحر المتوسط باعتبار أن وجود خط قديم لنقل الغاز الطبيعي من القاهرة إلى الكيان الصهيوني يوفر تكاليف إمداد خط جديد عبر البحر المتوسط لتصدير الغاز إلى أوروبا، وهو البديل الذي كان سيهدر مليارات الدولارات على إسرائيل ويقلل أرباحها من ثروة الغاز بشكل كبير.

كما أن رهان إسرائيل على العسكر يدل عليه شاهد آخر، وهو أن المفاوضات بشأن ترسيم الحدود في مياه البحر المتوسط مع قبرص استمرت من 2003 وحتى 2010، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر والتي صدق عليها الرئيس المعين عدلي منصور.

شماعة القطاع الخاص

على الرغم من أن الانقلاب العسكري في مصر لا يعبأ بمجلس النواب فإنه أراد ألا تمر اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل دون أن يمارس مجلس النواب دوره الرقابي عليها بحكم مواد الدستور، فتم تصدير شركة دولفينوس -التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال تربطهم علاقات قوية بالدولة المصرية- لتكون الطرف المصري في صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، وهذا السلوك ليس بجديد، فحكومة مبارك عندما أرادت أن تفعل نفس الشيء في مطلع الألفية الثالثة بتصدير الغاز لإسرائيل تم الأمر عبر شركة قطاع خاص على رأسها رجل المخابرات السابق حسين سالم الذي برأه القضاء من كافة التهم المتعلق بالفساد في صفقات الغاز مع إسرائيل.

وإذا ما انتقلنا لأمر آخر وهو مدى جاهزية القطاع الخاص المصري لامتلاك منشآت قادرة على إسالة الغاز الطبيعي نجد أنها حاليا عند الصفر، وأن الشركتين المخولتين بهذا الأمر هما ملك شركاء أجانب بنسبة كبيرة، بينما تمتلك الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغاز حصصا أصغر من ملكية الأجانب، ولا توجد أي مشاركة للقطاع الخاص المصري في ملكية هاتين الشركتين، وهما أدكو وسيجاس.

وحسب ما هو منشور عن حصص الملكية في هاتين الشركتين، تبين الآتي "تتكون ملكية شركة أدكو من نسبة 35.5% لصالح شركة بتروناس الماليزية، و35.5% لصالح بريتش غاز البريطانية، و5% لصالح غاز ري فرنس الفرنسية، والهيئة المصرية العامة للبترول 12%، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية 12%.

أما شركة سيجاس فحصص الملكية فيها تتمثل في نسبة 40% لشركة يونيون فينوسا الإسبانية، و40% لشركة إيني الإيطالية، و20% فقط للهيئة المصرية العامة للبترول.

وبحسابات اقتصادية بسيطة، نجد أن القطاع الخاص المصري في ظل تنفيذ عمليات الإسالة على خطوط الشركات الموجودة سيدفع مقابلا لعملية التسييل الذي سيكون النصيب الأكبر منه عائدا للقطاع الخاص الأجنبي، فضلا عن تكاليف النقل عبر خط الغاز المملوك لشركة غاز شرق المتوسط، والتي يساهم فيها شركاء صهاينة -يمتلك حسين سالم 28% فقط من رأس مال شركة غاز شرق المتوسط، والباقي لشركاء أجانب- وكذلك سوف يتحمل القطاع الخاص المصري ثمن الغاز المستورد وبالتالي فإن الفائض بعد هذه التكاليف قد يكون ضئيلا إن لم يكن منعدما.

"
بحكم الموقع الجغرافي لتركيا فإنها مرشحة لممارسة دور المركز الإقليمي الغاز بقوة من خلال مرور الغاز الروسي والإيراني والأذربيجاني عبر أراضيها لأوروبا ومناطق آسيا، وبالفعل ثمة خطوات فعلية في خط السيل الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا
"

الرقم الصعب

صفقة الغاز الطبيعي تحمل بين طياتها العديد من الرسائل السياسية التي تعبر عن واقع منطقة الشرق الأوسط وخريطته صراعاته السياسية والعسكرية، فمصر بتوقيعها المبكر مع قبرص لترسيم الحدود كانت تبحث عن الدعم الإقليمي والدولي عبر البوابة الإسرائيلية، وفي نفس الوقت تحاول أن تضعف الموقف التركي الذي رفض الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر.

وفي ظل الترتيب الحالي للحلم المصري بأن تصبح القاهرة مركزا إقليميا لتجارة الغاز فإن الأمر لا يكتمل إلا بعد دخول كل من اليونان وقبرص للإنتاج والتصدير عبر القاهرة، وهو ما أوقفه الاعتراض التركي خلال الأيام القليلة الماضية على سفن التنقيب الإيطالية التي أتت للمياه القبرصية، وساقت تركيا اعتراضها بأن هذه المناطق متنازع عليها، ولم ينته التفاوض بشأنها بعد بين تركيا وقبرص واليونان.

وبحكم الموقع الجغرافي لتركيا فإنها مرشحة لممارسة دور المركز الإقليمي الغاز بقوة من خلال مرور الغاز الروسي والإيراني والأذربيجاني عبر أراضيها لأوروبا ومناطق آسيا، وبالفعل ثمة خطوات فعلية في خط السيل الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا.

وبالتالي فالاعتراض التركي مبعثه حرص تركيا على حصتها كاملة في المياه الإقليمية مع قبرص واليونان، خاصة أن تركيا مستورد صاف للطاقة ولا تنتج محليا سوى 25% من احتياجاتها، وتستورد ما قيمته نحو خمسين مليار دولار سنويا من النفط والغاز.

الأمر الثاني أن استمرار الاتفاق المصري اليوناني القبرصي مع إسرائيل لن يكون سوى تفعيل بشكل كبير لمشروع الشرق أوسطية ويستهدف إضعاف تركيا وقبولها بالأمر الواقع، وأن تتفرد إسرائيل بحصة كبيرة من الصادرات التكنولوجية، بينما تقوم باقي دول المنطقة بإنتاج وتجارة المواد الخام.

وفي هذا الإطار، يمكن تفهم الموقف الأردني بتوقيعه اتفاقية منذ شهور لاستيراد الغاز من إسرائيل، ويرحب الأردن بعودة استخدام خط الغاز القائم حاليا بين مصر وإسرائيل لسهولة حصول الأردن على حصته من استيراد الغاز وكذلك ليكون جزءا من مخطط الشرق أوسطية.

ولكن مشروع الشرق أوسطية ومساعيه على أرض الواقع كان يصلح لتركيا في مطلع التسعينيات، حيث كانت توجهات الدولة مختلفة.

بيد أن الواقع الحالي يصطدم بطموح المشروع التركي الذي يعمل على عودة تركيا كقوة إقليمية لها اعتبارها في الإقليم، بل ودور على الصعيد الدولي، ويساعدها على ذلك أداؤها الاقتصادي الذي يقوي موقفها لتكون في مقدمة دول المنطقة بناتج محلي إجمالي بلغ 863 مليار دولار بنهاية عام 2016، وتحظى بعضوية مجموعة العشرين.