دون مشاركة مجتمعية أو دور للهيئات الرقابية تمضي مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي نحو المجهول، فالعديد من المشروعات الكبرى بلا دراسة جدوى، وبلا تدبير واضح لمصادر التمويل.
كل هذا أغرق مصر في دوامة الديون -الداخلية منها والخارجية- ومؤخرا أعلن خلال زيارة السيسي لدولة الإمارات عن منصة استثمارية مشتركة بين البلدين بقيمة عشرين مليار دولار.
ويمثل مصر في هذه المنصة صندوق مصر السيادي، ويمثل الإمارات شركة أبو ظبي التنموية القابضة.
وجاء الإعلان عن هذه الشراكة عبر المنصة الاستثمارية مبهما من أمور عدة، منها عدم تسمية المشروعات التي ستنفذ على وجه التحديد، بينما اكتفي فقط بتسمية قطاعات على إطلاقها، كما لم يعرف نصيب كل طرف من رأس المال المشترك الذي ستعمل من خلاله هذه المنصة
من المعلوم أن مصر تعيش أزمة تمويلية حادة أدت إلى بلوغ دينها الخارجي لـ 108 مليارات دولار، كما بلغ دينها المحلي 4.2 تريليونات جنيه مصري (260 مليار دولار). ولا تتوقف مصر عن الاستدانة لتمويل احتياجاتها الضرورية. إذن من أين تأتي بحصتها في شراكة المنصة الاستثمارية؟
ومما يؤكد على المخاطرة بأصول مصر الرأسمالية في هذه الشراكة، ما أعلنته وكالة "رويترز" من تسمية بعض المكاتب الاستشارية الخاصة في الجانب المالي والقانوني للإشراف على مشروعات المنصة الاستثمارية.
وهذا ما يذكر بعمليات الفساد الكبيرة التي شهدتها عمليات تقويم شركات قطاع الأعمال العام التي طرحت للخصخصة، خلال عهد مبارك. حيث كانت تقديرات المكاتب الخاصة لأصول شركات قطاع الأعمال العام المطروحة للخصخصة أقل من قيمتها، عند مقارنتها بتقدير الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما فتح باب الطعون على عقود هذه الصفقات أمام القضاء المصري، الذي حكم ببطلانها لاحقا.
وإذا ما اقتصرت مشاركة مصر في المنصة على الأصول العينية فسوف يضعف ذلك موقفها أمام الشريك الإماراتي الذي يمتلك السيولة المالية، فقد يفرض شروطه من حيث طبيعة الإدارة، أو تقويم حصص الشراكة، أو توجيه نشاط الشركات والمشروعات.
الاستثمار الأجنبي ومساهمته في التنمية بمصر، لافتة رفعتها العديد من الحكومات المصرية، لتمرير العديد من القوانين التي أملتها حقبة العولمة، وعلى رأسها قانون الاستثمار، وقوانين حقوق الامتياز في المطارات والموانئ والطرق العامة، والإقدام على خصخصة بعض الشركات والمؤسسات الكبرى.
لكن النتيجة على أرض الواقع، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، ظلت كما هي تتركز في قطاع النفط والغاز، ومساهمات قليلة في قطاعات الزراعة والصناعة، كما أن الاستثمارات الأجنبية بمصر في مجالات مختلفة استهدفت السيطرة على السوق المصرية واحتكارها، ولم تساهم في زيادة الصادرات السلعية لمصر.
وعلى صعيد صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، فقد تراجعت على مدار العامين الماضيين، وفق بيانات البنك المركزي المصري، فبعد أن كانت 7.9 مليارا دولار في 2016/2017 تراجعت إلى 7.7 مليارات دولار في 2017/2018، ثم انخفضت إلى نحو ستة مليارات مليار دولار في 2018/2019.
وطبقا لتوزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة حسب القطاع، أظهر التقرير السنوي للبنك المركزي لعام 2017/2018، أن قطاع النفط والغاز استحوذ على 67% من تدفقات تلك الاستثمارات، يليه قطاع الخدمات بنسبة 11.2%، ثم قطاع الصناعة 10%، أما قطاع الزراعة فكان نصيبه متدنيا بشكل كبير عند نسبة 0.1%
بالاطلاع على القطاعات المذكورة في إعلان المنصة الاستثمارية نجد أنها تشمل الصناعات التحويلية والطاقة التقليدية والمتجددة والتكنولوجيا والأغذية والخدمات اللوجستية والمالية والبنية التحتية وغيرها، وبقي أن نشير إلى أن معظم هذه القطاعات باستثناء الصناعات التحويلية تمتلك الإمارات استثمارات بها في مصر، ومن ثم يخشى أن تكون المنصة مجرد توسعة لبعض المشروعات، أو يكون تركيز المشروعات المزمع إنشاؤها بعيدا عن احتياجات مصر من الصناعات التحويلية والزراعة، حيث يمثلان جانب عجز في الأجندة التنموية لمصر.
الاستثمارات الإماراتية المتراكمة في مصر تقدر بـ 6.5 مليارات دولار، وفق بيانات البنك المركزي المصري، وفي حالة تفعيل المنصة الاستثمارية، فمعنى ذلك أن الإمارات ستضاعف استثماراتها بمصر لنحو أربعة أضعاف تقريبا، ويتوقع ألا يتحقق ذلك في الأجل القصير.
وإذا ما افترضنا أن الإمارات ستقدم المبلغ المطروح للاستثمار بالمنصة بالكامل، فإن ذلك لا يؤثر في محفظتها الاستثمارية الخارجية بشيء، حيث تقدر استثماراتها الخارجية بنحو 1.5 تريليون دولار، وحاليا تمثل استثماراتها في مصر أقل من 0.5% من إجمالي استثماراتها الخارجية.
قدرت الاستثمارات المنفذة في مصر في 2017/2018 نحو 721 مليار جنيه (45 مليار دولار)، وبما يمثل نسبة 16.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي استثمارات ضيئلة مقارنة باحتياجات مصر في التنمية وخلق فرص العمل. وفي الفترة نفسها مثلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر 3.9% من الناتج المحلي.
وبلا شك فإن تدفق أي أموال خارجية في مصر في شكل شراكات سوف يخفف عن كاهل الدولة وموازنتها التي تعاني من عجز مزمن.
ولكن لابد أن ينظر للأمر في إطار البعد التنموي، بمعنى ما القيمة المضافة التي ستحققها مشروعات المنصة؟ وأين هذه المشروعات من خطة التنمية لمصر؟ وماذا تمثل مخرجات هذه المشروعات في سد فجوة تبعية الاقتصاد المصري للخارج؟
كل هذه الأسئلة لابد أن تكون حاضرة في ذهن صانع التنمية بمصر، سواء تجاه الاستثمارات الإماراتية وغيرها من الاستثمارات، ولكن يخشى أن تكون المنصة مجرد غطاء إعلامي على الأداء السيئ للحكومة المصرية، وكذلك حالة الاستخفاف بالمواطن المصري، وأداء الحكومة الذي اتسم بعقلية التاجر الجشع، كما حدث في حالات الشباب الذي ألقوا بأنفسهم من القطار بسبب عدم امتلاك قيمة التذكرة.
ومن الأهداف التي يمكن استخلاصها من إعلان هذه المنصة، تحسين صورة السيسي لدى الرأي العام، بعد ما تعرض له من تراجع واضح في شعبيته عقب اتهامه بالفساد وتبديد المال العام وفق التصريحات أدلى بها المقاول محمد علي.