في العام 2011 وصلت التبادل التجاري إلى أعلى مستوياته بين البلدين بنحو 23 مليار دولار
يُتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بنسبة تتراوح ما بين 15% و20% في العام الأول لرفع العقوبات
الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، ويمهد كل منهما للآخر إيجاباً وسلباً، فتوطيد عرى العلاقات السياسية من شأنه أن يزيد حجم التبادل التجاري وعلاقات الاستثمار وغيرها من الجوانب الاقتصادية الأخرى، والعكس صحيح فتوتر العلاقات السياسية من شأنه أن يقلص من حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية.
ولكن منطقة الشرق الأوسط، تحظى بنماذج على غير العادة، فهناك قضايا سياسية شائكة بين أطراف في الشرق الأوسط، ومع ذلك تنتعش حركة التجارة والاقتصاد بينهم، وثمة نماذج بارزة في هذا الشأن منها علاقات دولة الإمارات مع إيران التي تحتل جزر إماراتية منذ فترة.
وكذلك استمرار التبادل التجاري بين مصر وتركيا رغم التوتر السياسي بينهما بعد الانقلاب العسكري بمصر في يوليو 2013، ومعارضة تركيا للسياسات المصرية منذ ذلك الحين.
وأيضاً استمرار حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل على الرغم من أحداث أسطول الحرية في 2009 والتي قتلت فيها إسرائيل نشطاء أتراك على متن سفينة مرمرة.
وفيما يلي نوضح حجم هذه العلاقات، وكيف أنها لا تستقيم مع التعاملات الطبيعية التي تنسجها العلاقة بين الاقتصاد والسياسة وجوداً وعدماً، في منطقة الشرق الأوسط.
بعد مضي نحو أربعة عقود ونصف من احتلال إيران لثلاث جزر إماراتية، لازالت الإمارات تمثل شريكاً تجارياً مهماً لإيران، وبخاصة بعد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، من قبل الولايات المتحدة ثم مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي. والتحليل المنطقي أن قضية بهذا الحجم، من شأنها أن تؤدي إلى تقليص العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، ولكن في ضوء الإحصاءات المتاحة من قبل البلين، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال الفترة 2010 – 2014 نحو 93.5 مليار دولار، بمتوسط سنوي 18.7 مليار دولار.
وكان عام 2011 هو أعلى معدلات التبادل التجاري بين البلدين بنحو 23 مليار دولار، ثم تقلص بعد عام 2012، بسبب توسعة دائرة العقوبات الاقتصادية على إيران من قبل مجلس الأمن للاعتراض على أغراض البرنامج النووي ، فانخفض حجم التبادل إلى 15.7 مليار دولار في عام 2013.
ويلاحظ أن التبادل التجاري عادة في صالح الإمارات، بما يقترب من 12 مليار دولار في المتوسط، وبعد نجاح مفاوضات (5+1) حول البرنامج النووي الإيراني، ورفع العقوبات عن إيران، يُتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات بنسبة تتراوح ما بين 15% و20% في العام الأول لرفع العقوبات عن إيران.
وقد تسمح ظروف رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران خلال المرحلة المقبلة لدور أكبر للمشاركة الاقتصادية لدولة الإمارات من خلال أنشطة تطوير الموانئ والمطارات، أو الحصول على مساحة أكبر من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة للإمارات في القطاع الخدمي بإيران، من خلال البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وبخاصة أن الإمارات لها تجارب في هذه المجالات بدول أخرى، عربية وغربية.
إن قضية احتلال الجزر ليست الوحيدة في الخلاف بين الدولتين سياسياً، فهناك اعتراض الخليج بشكل عام على البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، وكذلك مشاركة الإمارات في تحالف الخليج ضد المشروع التوسعي الإيراني، ومواجهته بشكل مسلح في اليمن. وكذلك دخول الخليج في صراع مع إيران حول دورها ودعمها في مناطق عربية مهمة مثل سورية ولبنان والعراق.
ولم يمنع ذلك أن تتجاوز مجالات التعاون بين الإمارات وإيران موضوع التبادل التجاري، لتشمل ملفات اقتصادية أخرى، فثمة وجود إيراني ملحوظ للأفراد الإيرانيين في الإمارات وبخاصة في إمارة دبي، حيث يقدر الوجود الإيراني بنحو نصف مليون مقيم، وهناك شركات إيرانية تصل لنحو 36 شركة، واستثمارات في علامات تجارية إيرانية تصل لنحو 368 علامة تجارية.
الملفت للنظر أن الإمارات تستحوذ على نحو 88% من حجم التعاملات الاقتصادية والتجارية لإيران مع دول الخليج، رغم هذا الخلاف حول ملفات سياسية قُطرية وإقليمية متعددة، ولم تحظ بهذه النسبة سلطنة عُمان التي لديها علاقات قوية مع إيران على الصعيد السياسي، بل عارضت أن يتحول مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني، وهددت بالخروج من مجلس التعاون، إذا مضى مجلس التعاون نحو تطوير صور التعاون لدرجة الوحدة في الإطار الأمني الخارجي، وذلك بسبب موقفها من إيران.
وثمة قراءة مستبعدة في إطار تحليل العلاقات التجارية والاقتصادية المرتفعة بين إيران والإمارات، على الرغم من خلافاتهم السياسية واحتلال إيران للجزر الإماراتية، وهذه القراءة هي أن كلا الطرفين يمهد عبر العلاقات التجارية والاقتصادية الإيجابية لحل النزاع السياسي وإنهاء الأزمة الرئيسة بين البلدين وهي احتلال إيران للجزر الإماراتية.
الواقع لا يعكس أي شواهد على صحة هذه القراءة، فإيران لديها مشروعها الإقليمي التوسعي، وترى في احتلالها للجزر الإماراتية ما يدعم وضعها الإقليمي، ومواجهة القوى الدولية، بينما الإمارات تراهن في صراعها حول تحرير الجزر على المساعي الدولية ودور المؤسسات الدولية التي لا يمكنها حلحلة الموقف الإيراني.
ويمكن الذهاب إلى تحليل الموقف الإماراتي في ضوء المصلحة، وبخاصة أن الفرصة البديلة، هي فقدانها لجزء من حركة اقتصادها الخارجي، يمكنها أن تؤثر بشكل ملحوظ على أداء الناتج المحلي الإجمالي، وبخاصة أن معظم صادرات الإمارات لإيران تأتي في ضوء ما يسمي إعادة التصدير. إذ تخلق غالبية السلع المصدرة لإيران من المناطق الحرة بالإمارات وهي من أهم المنافذ التي تعتمد عليها في إطار سعيها للتنوع الاقتصادي، بعيدًا عن النفط.
المتابع للعلاقات السياسية ين تركيا ومصر بعد ما حدث من انقلاب عسكري بمصر في يوليو 2013، يتوقع أن تتوقف حركة التجارة بين البلدين، فتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الذي تم بين البلدين وسحب السفراء، وتوقف الكثير من مجالات التعاون على الصعيد السياسي، كان يتوقع أن يكون له انعكاسته على العلاقات الاقتصادية والتجارية.
ولكن الواقع لم يعكس هذا الاستنتاج، فلا زالت حركة التجارة حية بين البلدين، كما لم تتأثر الاستثمارات التركية في مصر، بل طالب رجال الأعمال المصريون غير مرة، بألا يتم الربط بين الخلاف السياسي ومجريات الأمور الاقتصادية والتجارية، وذلك بعد أن ألغت مصر تجديد اتفاقية (الرورو) الخاصة بتيسيير نقل البضائع التركية للخليج عبر الموانئ المصرية.
ففي حين بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا 4.8 مليار دولار في عام 2013، تراجع إلى 4.6 مليار دولار في عام 2014، ويتوقع أن يزيد خلال عام 2015، حيث تشير الإحصاءات الخاصة بالفترة من يناير – أغسطس 2015 إلى أن التبادل التجاري بين البلدين نحو 3.5 مليار دولار.
ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا، بنحو 2.5 مليار دولار، ولم تتوقف حركة الطيران بين البلدين، بل إن حركة السياحة كانت نشطة، من خلال رحلات الشارتر، من الشواطئ والمدن التركية لشواطي مصر في مدن شرم الشيخ والغردقة، وإن كانت أحداث سقوط الطائرة الروسية الأخيرة في شرم الشيخ، سوف تؤثر على حركة السياحة بين البلدين، ولكن بعيداً عن أجواء الخلاف السياسي.
ولعل المثال الصارخ في المنطقة كذلك العلاقات التركية الإسرائيلية، ففي عام 2009 كان حجم التبادل التجاري بين البلدين 2.5 مليار دولار، ارتفع في عام 2014 إلى 5.7 مليار دولار، وهذه الزيادة تتنافي مع الخلاف السياسي بين البلدين بعد مقتل نحو 9 أتراك على متن أسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة في عام 2009، ومحاولة إسرائيل الدائمة لإنهاء الخلاف السياسي عبر التعويضات دون الاعتذار.