تصدير الأزمات سلوك معتاد من منظمة أوبك على مدار عقود مضت، وقد أدى ذلك إلى وجود خلل مستمر بعلاقة المستهلكين والمنتجين في السوق الدولية للنفط، وكان الخلاف داخل منظمة أوبك، عادة في صالح المستهلكين.
إلا أنه ولأول مرة تم التوصل إلى اتفاق بين أوبك ودول من خارج المنظمة في أواخر عام 2016، على ما سمي اتفاق "أوبك بلس" (+OPEC) والذي يضم نحو 10 دول نفطية من خارج المنظمة، كان من أبرزهم روسيا، كواحدة من أكبر بلدان العالم المنتجة للنفط.
وتم التوصل -عبر "أوبك بلس"- إلى تخفيض سقف الإنتاج لتحقيق حالة من التوازن في سوق النفط، والمحافظة على حد أدنى من الأسعار يحقق مصالح المنتجين، إلا أن هذا الاتفاق تعرض لهزة عنيفة في مارس/آذار 2020، بعد أن خاضت كل من السعودية وروسيا ما عرف بحرب الأسعار، حيث تدنت أسعار الخام الأميركي إلى معدلات سالبة.
كان يونيو/حزيران 2021، هو شهر إعادة الأمل بالنسبة للمنتجين، حيث تحسنت أسعار النفط في السوق الدولية، لتتجاوز سقف الـ70 دولارا للبرميل، وهو سعر يعيد الأمل لدول الخليج النفطية، باستثناء الكويت والبحرين، لتحقيق سعر التعادل في ميزانيات تلك الدول.
وكان الخامس من يوليو/تموز 2021 ميلاد أزمة جديدة؛ حيث تم إلغاء اجتماع "أوبك بلس" بسبب عدم التوصل لاتفاق بشأن تمديد اتفاق تخفيض سقف الإنتاج حتى نهاية 2022، حيث اعترضت الإمارات على هذه السياسة التي أُبرمت في اتفاق ثنائي بين روسيا والسعودية، إذ ترى الإمارات أن اتفاق أوبك بلس غير عادل من حيث نقطة الأساس المرجعية، وأنها مع إنتاج أغسطس/آب 2021 سوف تعمل على أن تكون حصتها الإنتاجية بنحو 3.8 ملايين برميل يوميا بدلا من 3.2 ملايين برميل يوميا في الوقت الحالي.
وأدى هذا الخلاف إلى رد فعل سريع في السوق ليتجاوز سعر برميل النفط برنت إلى 77.7 دولارا للبرميل، نظرا لتوقعات تصاعد الأزمة بين الإمارات والسعودية على وجه التحديد، وغياب تحقيق اتفاق بين أعضاء اتفاق أوبك بلس بشكل عام.
وقبل وقوع هذا الخلاف، كانت التوقعات أن تستمر عملية تحسن أسعار النفط في السوق الدولية خلال النصف الثاني من عام 2021 على الأقل، وبخاصة في ظل تحسن الأوضاع في مواجهة كورونا على مستوى عدد كبير من دول أوروبا وكذلك أميركا، وتحسن الطلب على الوقود في الصيف بهذه الدول، كما أن بيانات انخفاض مستويات النفط بالمخزونات الإستراتيجية لدى الصين وأميركا زاد من احتمالات ارتفاع الطلب على النفط خلال الفترة القادمة، وكذلك تحسن الأسعار لتظل أعلى من الـ70 دولارا للبرميل، وربما تتجاوز سقف الـ75 دولارا للبرميل.
تعددت ساحات تصفية الحسابات بين الإمارات والسعودية على الصعيد الاقتصادي، ففي الوقت الذي أخفق فيه عقد اجتماع أوبك بلس في الخامس من يوليو/تموز الجاري -بسبب الموقف الإماراتي الذي أفشل التوصل لاتفاق بشأن سقف الإنتاج خلال المرحلة القادمة- كانت السعودية ترد بقرار يتعلق بتنظيم عمليات الاستيراد من دول الخليج، بحيث لا تعتبر المنتجات الخاصة بالمناطق الحرة ذات منشأ محلي، أو التي تستخدم مكونا إسرائيليا، وهو ما يُصيب الصادرات الإماراتية للسعودية في مقتل.
وتفيد الإحصاءات السعودية أن التبادل التجاري السنوي السلعي غير النفطي بينها وبين الإمارات بلغ 17.8 مليار دولار في عام 2019، كما تتمتع الإمارات بالاستحواذ على ثلثي التجارة السلعية غير النفطية البينية للسعودية مع دول الخليج.
وبلا شك أن الإمارات -عندما اتخذت هذا الموقف- تستهدف الضرر بالمملكة العربية السعودية التي تعاني وضعا ماليا صعبا، وبخاصة أنها تتجه للعمل في مجموعة من المشروعات الكبرى، والتي تمولها الدولة بشكل كبير في المرحلة الحالية، وبالتالي فتأثر الإيرادات النفطية السعودية سلبيا سيكون مؤلما لصانع السياسة الاقتصادية السعودية.
ولا تتوقف العلاقات الاقتصادية المشتركة بين الإمارات والسعودية على التبادل التجاري السلعي فقط، بل هناك الاستثمارات المباشرة المتبادلة بينهما، حيث إنهما يستحوذان على أكبر نسبة من الاستثمارات العربية البينية المباشرة، وحسب الأرقام المنشورة، بلغت الاستثمارات المباشرة للإمارات في السعودية 9.26 مليارات دولار من خلال 65 شركة، بينما بلغت الاستثمارات السعودية المباشرة في الإمارات 4.36 مليارات دولار.
في مارس/آذار 2020، اندلعت حرب الأسعار في سوق النفط الدولية بين السعودية وروسيا، باعتبارهما من كبار منتجي النفط في العالم، ولكن سرعان ما تم احتواء الخلاف، نظرا للخسائر التي مُني بها الطرفان، خلال الفترة القصيرة التي استمرت فيها تلك الحرب.
ولكن في حال إصرار الإمارات على موقفها بزيادة حصتها الإنتاجية في أغسطس/آب القادم، وعدم التزامها بقيود أوبك بلس، أو حتى الخروج من أوبك؛ هل سنكون أمام سيناريو حرب أسعار في سوق النفط تخوضها كل من الإمارات والسعودية، أو الإمارات من جهة وباقي أعضاء أوبك بلس من جهة أخرى؟
وللإجابة عن هذا التساؤل فإننا أمام سيناريوهين؛ الأول الوقوع في مستنقع حرب الأسعار، وسيكون المتضرر بشكل كبير في هذه الحالة، ليس الطرفين المتصارعين، ولكن سينال الضرر كافة الدول النفطية، وبخاصة أنها جميعا كانت تتنظر تحقيق حالة من التحسن في السوق الدولية، لتعوض خسائرها على مدار ما بعد يونيو/حزيران 2014.
ولذلك سوف تُبذل جهود لتجنب هذا السيناريو، الذي ستكون نتائجه كارثية على دول الخليج النفطية، وقد يدفع لتحقيق حالة المصالحة وتسوية الخلافات بين الدول الكبرى المرتبطة بمصالحة شركات النفط متعدية الجنسية، والتي من صالحها ألا يشهد الاقتصاد العالمي انتكاسة جديدة، تؤدي إلى استمرار هشاشة تعافي الاقتصاد العالمي.
ويبقى قائما سيناريو التسوية للأزمة داخل أوبك بلس من خلال مجاراة الإمارات لتحقيق الحصة التي ترغب بها في الإنتاج عند 3.8 ملايين برميل يوميا، على أن يكون ذلك خصما من المنتجين الكبار، مثل روسيا والسعودية، وذلك من أجل الحفاظ على أسعار النفط في السوق الدولية أعلى من 75 دولارا للبرميل.
ولكن هذا الحل قد لا يرضي الإمارات، والتي عرضت وجهة نظرها في استمرار اتفاق خفض سقف الإنتاج حتى 2022، فهل سيقبل باقي أعضاء أوبك بلس استرضاء الإمارات وتقصير فترة الاتفاق، ليكون هناك اتفاق بشأن استمراره من عدمه كل 6 أشهر مثلا؟
سترتبط القضية بالمصالح المتحققة لكافة الأعضاء، والجميع ليس على استعداد لإهدار ثروته النفطية، في ظل الظروف المالية المضطربة، ولعل هذا الطرح يتناسب مع ما صرح به وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، والذي دعا إلى "العقلانية، والتنازلات من أجل التوصل لاتفاق بشأن زيادة إنتاج النفط في تحالف أوبك بلس"