رغم أن عام 2020 شهد توجّه 4 دول عربية للتطبيع مع إسرائيل، وهي (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، فإن الإمارات كانت هي الأسرع في تنفيذ صفقات الشراكة والاندماج الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل.
وكانت آخر هذه الاتفاقيات ما أشارت إليه وكالة رويترز (Reuters) ووسائل إعلام مختلفة من فتح المجال في بورصة دبي للذهب والسلع للإسرائيليين لإمكانية تسجيل شركاتهم فيها، والدخول على منصات التداول بها.
وحسب ما نشرته رويترز، فإن بورصة دبي أعلنت أن "الطريق مفتوح لإطلاق منتجاتها وخدماتها، مثل العقود الآجلة والخيارات التي تغطي قطاعات المعادن النفيسة والطاقة والسلع والعملة، في إسرائيل مع توسعها في تداول المشتقات بالشرق الأوسط".
وعقب الإعلان عن تطبيع العلاقات بشكل كامل بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020، نشرت رويترز أن واحدا من أكبر تجار الماس الإسرائيليين، وهو تسفي شيمسي، قد توجه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 للإمارات لتأسيس شركته لتجارة الماس، وكان الرجل يذهب قبل ذلك للإمارات بجواز سفر ألماني، ولكنه هذه المرة ذهب لتأسيس شركته بجواز سفره الإسرائيلي.
ولمزيد من الإيضاح، فإن عقود الخيارات هي عقود بين طرفين تعطي لمشتريها الحق لا الالتزام بأن يشتري أو يبيع كمية معينة من الأسهم أو من سلعة معينة بسعر تنفيذ معين خلال فترة سريان العقد، ويدفع مشتري الخيار لقاء تلقيه هذا الحق مبلغا معينا، يسمى ثمن الخيار، وهو مبلغ بسيط من سعر السهم، أو سعر السلعة.
ويرى البعض أن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية غير المعلنة قد بدأت قبل ذلك، حيث يعتبرون أن قبول عضوية الإمارات في الاتحاد العالمي لبورصات الماس عام 2004، بموافقة 22 دولة ودون اعتراض إسرائيل، كان بمثابة البداية الحقيقية في مجال تجارة مهمة، لها مستثمروها الكبار، بل كانت هذه الخطوة بداية لحضور التجار الإسرائيليين لأسواق دبي في مجال الذهب والماس والمجوهرات ومجالات أخرى.
يمثل الذهب والمجوهرات عنصرا مهما في تجارة الإمارات الخارجية، حسب ما أورده التقرير الإحصائي السنوي لعام 2019، والذي تصدره وزارة الاقتصاد في الإمارات، حيث بلغت صادرات الإمارات من الذهب في عام 2019 نحو 18.5 مليار دولار، في حين بلغت وارداتها في العام ذاته من الذهب 32 مليار دولار، وتمثل صادرات الإمارات من الذهب نسبة 28% من صادراتها السلعية غير النفطية، كما تمثل واردات الإمارات من الذهب نسبة 13%.
كما تضم تجارة الإمارات من الذهب، بخلاف الذهب الخام، الحلي والمجوهرات وأجزاءها، وقد قدرت صادرات الإمارات من المجوهرات في عام 2019 بنحو 2.4 مليار دولار، في حين بلغت صادراتها من المجوهرات وأجزائها جراء إعادة التصدير نحو 14.7 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 11% من حصيلة إعادة التصدير للسلع غير النفطية في الإمارات.
وتبلغ واردات الإمارات من الحلي والمجوهرات وأجزائها في عام 2019 نحو 15.1 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 6% من إجمالي الواردات السلعية، وتضمنت إحصاءات التقرير أيضًا واردات الإمارات من الماس في العام نفسه والتي بلغت 10.9 مليارات دولار، وبما يمثل نسبة 4% من إجمالي الواردات السلعية.
حسب ما هو متاح من بيانات، فإن صادرات إسرائيل من المجوهرات والمعادن الثمينة في عام 2019 بلغت نسبتها 13.4% من إجمالي الصادرات السلعية، والجدير بالذكر أن الصادرات السلعية لإسرائيل في عام 2019 قد بلغت 58.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن صادرات المجوهرات والمعادن النفيسة بلغت قيمتها 7.8 مليارات دولار.
أما تجارة الماس، فقد أفاد تقرير صادر عن معهد إسرائيل للصادرات في مارس/آذار 2020 بأن صادرات إسرائيل من الماس بلغت 4.8 مليارات دولار، والجدير بالذكر أن خام الماس لا يتوفر في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، ولكن تعتمد إسرائيل على استيراده خاما، ثم تقوم بتصنيعه وإعادة تصديره.
وتعتمد إسرائيل على استيراد الماس الخام من دول أفريقية، ولكنها عادة ما تكون في إطار صفقات متبادلة فيما يسمى الماس مقابل السلاح، وبذلك تذكي إسرائيل الحروب وإسالة الدماء في هذه الدول الفقيرة، كما تفعل الإمارات في استيراد الذهب من الدول الأفريقية.
وعقب توقيع اتفاقيات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، تفاءل القائمون على صناعة الماس في إسرائيل لكون أمر التجارة بينهما في الماس سوف يزدهر، لأن إسرائيل ستصنع ودبي ستبيع، فسوق الماس في دبي يضم ألف شركة مسجلة هناك.
تأتي خطوة انفتاح بورصتي دبي وإسرائيل على بعضهما بعضا كخطوة ضمن التطبيع الاقتصادي والتجاري المستهدف بينهما، وثمة دلالات لهذا الحدث، قد لا تكون مقتصرة فقط على هذه الخطوة، ولكنها تهدف للتعاون بين دولتين تتمتعان بوفورات نقدية من عوائد النفط والغاز الطبيعي.
وقد يدفع هذا التعاون إلى الاستثمار في البورصتين، لإنشاء شركات، أو التوسع في شركات قائمة، أو اتخاذ خطوات كبرى من أجل السيطرة على حصص معتبرة من تجارة الذهب والماس والأحجار الكريمة على مستوى العالم، ولا يستبعد أن تسعى الدولتان لاحتكار أو السيطرة على تجارة الذهب والماس في الشرق الأوسط
وفي ضوء قلة عدد السكان في البلدين ووجود وفورات مالية، فسوف يكون الأمر مشجعا في الاستثمارات ذات الطابع الريعي كتجارة الذهب والماس والأحجار الكريمة، وبما يؤدي إلى عدم معاناة إسرائيل من ما يسمى بـ"المرض الهولندي" من أجل الحفاظ على سعر صرف متوازن لعملتها.
في أبريل/نيسان 2019 نشرت وكالة رويترز تقريرا لها بعنوان "التجارة المحرمة.. الإمارات بوابة رئيسية في تهريب ذهب بالمليارات من أفريقيا"، وفي ضوء ما جاء في التقرير من بيانات، تبيّن أنه توجد فروق كبيرة بين قيم الصادرات من الذهب في البيانات الأفريقية وبيانات دولة الإمارات، وهو ما يفتح الباب لممارسات عمليات فساد كبيرة، على رأسها غسل الأموال.
كما أنه يعد واحدا من تمويل الحروب في الدول الأفريقية، التي تكثر فيها النزاعات المحلية، ويحرم قطاع كبير من شعوب هذه الدول من مشروعات التنمية، وخروج أهلها من حالة الفقر المدقع والدائم على مدى عقود.
ويوجد تخوف في ظل هذا التعاون على مستوى بورصات الذهب بين الإمارات وإسرائيل من أن تكون هناك أنشطة منظمة لاستلاب المزيد من ثروات الدول الأفريقية، وبخاصة الذهب والأحجار الكريمة والسلع النفيسة، في ظل أن الإمارات على مدى العقدين الماضيين توسعت بشكل ملحوظ داخل الدول الأفريقية، وفي مشروعات إدارة الموانئ والزراعة وقطاع الاتصالات خصوصا.
ومن شأن سيطرة الإمارات على بعض الموانئ أن تسهل من عمليات دخول وخروج الذهب والماس وغيرهما من السلع النفيسة بسهولة من الدول الأفريقية لصالح كل من الإمارات وإسرائيل
وبشكل عام تُعرف الإمارات، وبخاصة دبي، بأنها واحدة من الوجهات البارزة التي ترتفع فيها معدلات غسل الأموال على مستوى العالم، فتقرير معهد بازل (Basel) المعني بمؤشر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يضع الإمارات في الترتيب 72 من بين 146 دولة شملهم التقرير، وعلى مستوى الدول العربية تأتي الإمارات في الترتيب السادس وفق هذا المؤشر