ما تفعله إيران في الدول العربية التي تشهد حروبًا أهلية، هو بكل المعايير يعد في إطار الاقتصاد الأسود، وليس ذلك قاصرًا على إيران فحسب، ولكنه يطال روسيا وأمريكا ودول أوربية أخرى
شهدت إيران مظاهرات بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وتزامنت المظاهرات مع مناقشة البرلمان هناك لموازنة العام القادم، والذي يبدأ في مارس من كل عام حسب التقويم الفارسي، وقد اتخذت المظاهرات شعار لا لرفع الأسعار نظرًا لما أدرجه مشروع الموازنة من إجراءات تستهدف رفع أسعار الوقود وخدمات أخرى.
ومنذ عام 1979 والاقتصاد الإيراني يعيش حالة استثنائية، بسبب تداعيات حرب العراق وما تبعها من عقوبات اقتصادية من أمريكا والاتحاد الأوربي، لازال بعضها موجودا على الرغم من تخفيف تلك العقوبات بموجب اتفاق وقف البرنامج النووي فيما عرف بمفاوضات (5+1).
ولا شك أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية لازالت تمثل حجر عثرة أمام القطاع المالي والبنكي في إيران، مما يحد بالفعل من إقبال الشركات الأجنبية على الاستثمار المباشر أو غير المباشر مع إيران، ولعل الإجراء الأخير، الذي اتخذته أمريكا تجاه بنك “خلق” التركي خير دليل على إصرار أمريكا على عرقلة التعاملات المالية الخارجية لإيران.
ولكن إيران على مدار ما يزيد على 4 عقود من الزمن، استطاعت أن تكيف أمورها مع تلك المواجهات، ولكن الجديد هذه المرة أن إيران بعد بدء تطبيق الرفع الجزئي للعقوبات عنها في مطلع عام 2017، رفعت من سقف طموحاتها في الاندماج في الاقتصاد العالمي، وهو ما رحبت به دول أضيرت من فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وبخاصة في أوربا، وشركات النفط العالمية.
وإذا ما كانت إيران تحمل هذا التوجه الاندماجي مع الغرب في ظل قيادة التيار الاصلاحي، فإنها تسعى لتقطيع أواصر علاقاتها مع شعوب المنطقة العربية، من خلال وجودها في تمويل الحروب في المنطقة العربية، بل ووجود جنود لها بشكل مباشر على أراضي تلك الدول العربية.
والاقتصاد الخفي تتعدد مظاهره، وقد يكون مشروعًا، أو غير مشروع، ولكن ما تفعله إيران في الدول العربية التي تشهد حروبًا أهلية، هو بكل المعايير يعد في إطار الاقتصاد الأسود، وليس ذلك مقصورًا على إيران فحسب، ولكنه يطال روسيا وأمريكا ودولا أوربية أخرى، لها أياد سوداء فيما يجري بالمنطقة العربية، ولا يفلت من هذه الجريمة بعض الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات.
الوجود الإيراني في كل من سوريا واليمن والعراق، في حروب مفتوحة، لا شك يمثل عبئاً على موازنة الدولة الإيرانية، ولكن من خلال الاطلاع على ميزان المدفوعات لإيران، والمنشور على موقع البنك المركزي عن العام 2016/2017، نجد أن ما يخص بند السهو والخطأ في عام يصل إلى 5 مليارات و700 مليون دولار، مقارنة بـ 5 مليارات و600 مليون دولار في عام 204/2015.
وبند السهو والخطأ في ميزان المدفوعات لأي دولة، هو عبارة عن المصروفات السرية التي لا تريد أن تفصح الدولة عنها، واللافت للنظر في الحالة الإيرانية أن ما ذكر من مبالغ لا يتناسب مع حجم الدعم المقدم من إيران لنظام الأسد في سوريا أو الحوثيين باليمن، أو الموالين لها بالنظام العراقي، ويقدر البعض إنفاق إيران على حروب المنطقة العربية بنحو 100 مليار دولار.
والملفات الخاصة بالحرب بتلك الدول تزداد تعقيدًا، وهو ما يتطلب مزيدا من الدعم، وليس مجرد انخفاض مخصصات السهو والخطأ في ميزان المدفوعات، هذا إذا ما سلمنا بأن مخصصات دعم الحروب التي تخوضها إيران في الدول العربية تستحوذ على كامل مخصصات بند السهو والخطأ، وأن إيران لم تدرج لنفسها نفقات التسليح، أو دعم مؤسساتها الناعمة لدعم مشروعها الإقليمي، أو نشر المذهب الشيعي على مستوى العالم.
أحسب أنه من التبسيط غير المقبول أن نطالب إيران بالشفافية في إدارة ملفها للحرب في الدول العربية، فدخول إيران بتلك الحروب قد يبرره قادة إيران للمجتمع بصور عدة، ولكن من حق المواطن الإيراني أن يعلم حجم إنفاق إيران على تلك الحروب.
فهذا الإنفاق هو بالضرورة خصمًا من خدمات كان ينبغي أن يتمتع بها المواطن الإيراني، الذي يعاني من البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة على مدار السنوات الماضية، فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية كان معدل التضخم 34.7%، و15.6%، و11.9%.
ويكفي أن يعلم المواطن الإيراني أن مخصصات السهو والخطأ بميزان المدفوعات بعام 2014/2015 و2015/2016، بلغت نسبة 6.4% و6.5% من إجمالي الصادرات السلعية في هذين العامين، حيث كانت قيمة الصادرات السلعية لإيران في هذين العامين، 86 مليارا و400 مليون دولار و64 مليارا و500 مليون دولار على التوالي. وإذا ما استمرت إيران في نفس سلوكها فستكون خسارة المواطن الإيراني أكبر من العامين الماضيين.
ولقد وجدنا أمريكا بعد حربها غير العادلة واحتلالها لكل من أفغانستان والعراق في مطلع الألفية الثالثة، تعلن عن تكلفة تلك الحروب، وهو ما دعا المجتمع الأمريكي للمطالبة بضرورة الخروج من تلك المناطق، ولكن الوضع في إيران تحت مسميات مختلفة، لن يفضي إلى شفافية يعلم بها المواطن الإيراني، كم من الأموال أهدرت لإزهاق أرواح بريئة بالمنطقة العربية.
إن التاريخ سيسجل أن ما انفقته إيران على تمويل تلك الحروب في المنطقة العربية، كان يمكن أن يسهم في تبيض صفحة إيران لدى شعوب هذه البلدان، ويجذر لعلاقات تمتد لقرون، إذا ما تم توجيه هذه الأموال الإيرانية للتنمية في الدول العربية، وبخاصة أن من بين هذه الدول ما يصنف ضمن الدول الأشد فقرًا وهي اليمن، فضلًا عن أن أموال إيران أنفقت في سوريا لتساعد على تهجير 5 ملايين مواطن سوري من وطنهم، فضلًا عن الشهداء والمصابين، والنازحين قسريًا داخل سوريا، وبلا شك أن الوضع أكثر سوءًا في العراق واليمن، بسبب سوء توظيف إيران لمواردها المالية.