يحمل الإعلان عن عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وتسوية العديد من الملفات العالقة بينهما، كثيرا من الدلالات، لكن الأمر يبقى رهين اتخاذ قرارات بشأن إعادة انطلاق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وجاء تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان بشأن إمكانية ضخ استثمارات سعودية في إيران، ليبرهن على أن الأمور قد تفضي إلى أوضاع إيجابية تنعكس على البلدين.
ولم يكتف الجدعان بالقول بإمكانية ضخ الاستثمارات فحسب، بل أضاف أن هناك كثيرا من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران.
وبحكم علاقات الجوار، والعلاقات التاريخية الممتدة، استمرت المعاملات التجارية والاقتصادية بين البلدين، أبرزها تدفق الإيرانيين نحو المملكة العربية السعودية، لأداء مناسك الحج والعمرة، وهو نشاط ممتد على مدار العام.
كما أن كلا من السعودية وإيران عضوان في منظمة "أوبك" (Opec) و"أوبك بلس" (+Opec)، فالسعودية تمتلك رصيدا هائلا واحتياطا كبيرا من النفط والغاز (261.6 مليار برميل احتياطي نفطي، 8 تريليونات متر مكعب احتياطي من الغاز الطبيعي)، أما إيران فلديها رصيد كبير واحتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي (208.6 مليارات برميل من احتياطي النفط، و34 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز)، وذلك وفق بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، ولكلتا الدولتين مكانتها في أسواق الطاقة.
وظلت التجارة بين البلدين جسرا مهما لتبادل السلع، خاصة السجاد والمواد العطرية وبعض الأغذية، وإن كان تطور علاقات الدولتين بالعالم الخارجي قد فرض أوضاعا جديدة أدت إلى تغير في اتجاهات التجارة في ظل حاجة البلدين إلى منتجات ومستلزمات أخرى، بينها الآلات ووسائل النقل على سبيل المثال.
لكن من المنتظر أن تظهر إبرام اتفاقية عودة العلاقات بين البلدين نتائج إيجابية في المجال الاقتصادي. وسنتناول في هذا التقرير مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران، وما ينتظرها من تحديات.
تشير بيانات الهيئة العامة السعودية للإحصاء إلى أن معطيات التبادل التجاري بين الرياض وطهران قد توقفت عام 2015، ولم تُحدّث تلك البيانات بعد هذا التاريخ، بل لم تُدرج إيران في نشرة التبادل التجاري للسعودية مع دول العالم.
وعام 2015، بلغت قيمة التبادل التجاري بين السعودية وإيران 1.24 مليار ريال سعودي (330 مليون دولار)، في حين جاء فائض الميزان التجاري لصالح إيران بنحو 316 مليون ريال.
وقد تسمح العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بعودة تلك التعاملات التي توقفت، بالإضافة إلى صور جديدة من التعاون، في ظل تنوع الاقتصاد الإيراني، وإمكانية تصدير طهران سلعا زراعية ومواد خاما وسلعا أولية، مثل الحديد، لتلبية احتياجات مشاريع التشييد والبناء في السعودية.
استفادت السعودية بشكل كبير من الطفرة النفطية التي شهدتها السوق العالمية، منذ منتصف عام 2021 وحتى نهاية عام 2022، مما زاد من رصيد صندوقها السيادي (615 مليار دولار تقريبًا)، وقدرتها على تنفيذ استثمارات خارجية في العديد من الدول.
في المقابل، تعاني إيران -في ظل العقوبات الاقتصادية- تراجع إيراداتها النفطية، مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2018، مع حاجتها للاستثمارات الأجنبية.
وكانت طهران تعول كثيرا على نجاح مفاوضات الملف النووي مع الغرب بهدف عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقطاع النفط والغاز وتحديث البنية الأساسية في هذا القطاع المهم للاقتصاد الإيراني، فضلا عن قطاع الصناعة التحويلية.
وحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، فإن نصيب إيران من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة 2019 -2021 بلغ على التوالي 1.51 مليار دولار، و1.34 مليار دولار، و1.43 مليار دولار، وهي مبالغ زهيدة بمعيار احتياجات إيران لتلك الاستثمارات وما تعانيه من شح في النقد الأجنبي بسبب العقوبات.
وإذا ما نجحت الاتفاقية الجديدة بين الرياض وطهران في تعزيز الاستثمارات بين البلدين، فإن ضخ أموال سعودية في شكل استثمارات مباشرة، من شأنه أن يحسن من أداء سعر صرف العملة الإيرانية (الدولار يعادل 42 ألف ريال إيراني بالسوق الرسمية)، خاصة إذا كانت تلك الاستثمارات بمبالغ كبيرة ومستدامة.
في المقابل، فإن المصلحة الاقتصادية بين البلدين تقتضي أن تضخ إيران استثمارات مماثلة في المملكة العربية السعودية، بما يؤدي إلى تمتين العلاقات وتعزيز المصالح المشتركة.
وقد تواجه إيران بعض الصعوبات الآن في ضوء العقوبات المفروضة عليها، لكن في ظل سيناريو رفع تلك العقوبات، فإنه قد يصبح من السهل اتخاذ مسار تبادل الاستثمارات بين البلدين لنسج خيط ناظم لتطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
قد يشكل تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران والسعودية أحد أهم عوامل استقرار العلاقات بين البلدين في باقي المجالات الأخري
لكن وإن كانت الاتفاقية التي عقدت مؤخرا تنم عن عزم البلدين على تطوير العلاقات بينهما بشكل إيجابي وطي العديد من ملفات الخلاف بينهما، إلا أن مستقبل هذه العلاقات يرتبط أيضا بعوامل أخرى، بعضها خارجي: