تسعى إيران في السنوات الأخيرة إلى كسر حاجز العزلة الدولية الذي فرض عليها في أعقاب الثورة الإسلامية في عام 1979، ويمكن القول أن الجهود التي بذلتها القيادة الإيرانية في هذا الشأن قد أثمرت بالفعل تقدما ملحوظا في هذا الشأن ولعل قبول عضوية إيران في مجموعة الـ 15 في نهاية يونيه 2000 خير دليل على هذا وهو أمر له أهميته لأن إيران تعد واحدة من القوى الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تطورات كبيرة في ظل عملية التسوية السلمية التي لم تنتهِ بعد، ولعل قبول عضوية إيران لمجموعة الـ15 يطرح العديد من القضايا للمناقشة خاصة الأبعاد الاقتصادية لهذا الانضمام وحقيقة الوضع الاقتصادي الإيراني.
حدث كثير من التغيرات الاقتصادية في إيران بعد الثورة، مما أدى إلى قدر من عدم الاستقرار في مستوى التنمية بالإضافة إلى التأثير على الأداء الاقتصادي، ونتج عن هذه التطورات زيادة التضخم، وتراكم المديونية وتناقص رصيد رؤوس الأموال، وضعف إنتاجية العمل. فبعد الثورة اتجه الاقتصاد الإيراني نحو التخطيط المركزي؛ وعمدت الحكومة إلى دعم كثير من السلع بغرض تخفيف أثر التضخم، كما زادت سيطرة الدولة على كثير من المجالات الاقتصادية بما في ذلك المؤسسات الصناعية والبنوك، وكان نتيجة ذلك خسارة معظم المؤسسات العامة التي تبلغ ميزانيتها حوالي 38% من الناتج المحلي الإجمالي بصورة دائمة، وربما يكون مبرر سيطرة الدولة على الاقتصاد راجع إلى الظرف السياسي الذي أعقب قيام الثورة، حيث تأزمت العلاقات الإيرانية الأمريكية بما ساعد على فرض عزلة اقتصادية على إيران، وكذلك دخول إيران مع العراق في حرب استمرت ثماني سنوات. ولكن الأحداث الآن بدأت تأخذ منحى آخر، وهو وجود تحسن إلى حد ما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد السياسي، وانتهاء الحرب الإيرانية-العراقية مع بداية التسعينيات؛ حيث بدأت الحكومة منذ انتهاء تلك الحرب في وضع خطة خمسية منذ عام 1990، كان هدفها إعادة هيكلة الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وتحرير التجارة الخارجية؛ بما في ذلك إلغاء الحواجز الكمية على الواردات والصادرات وتوحيد سعر الصرف، ويمكن إدراك مدى التحسن في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة السابقة من الاطلاع على أداء بعض القطاعات الأساسية
أولت الحكومة الإيرانية لقطاع الزراعة اهتمامًا بالغًا؛ فسعت إلى زيادة مصادر الماء والتحكم فيه عن طريق بناء السدود والتخزين وإصلاح الأراضي ودعم الصناعات التحويلية، كما اهتمت بتطوير هذا القطاع ووضع القوانين واللوائح المنظمة لانطلاق عملية الإنتاج الزراعي، وتخصيص اعتمادات لدعم الوحدات الريفية ، ودعم سعر المحاصيل فضلاً عن الخدمات المعاونة.
زادت اعتمادات قطاع الزراعة من 7.5% قبل الثورة التي حدثت عام 1979 إلى 20% بعد الثورة في مجال التعمير، مما أدى إلى ارتفاع نصيب الإنتاج الزراعي من الناتج القومي من 8.5 % قبل الثورة إلى أكثر من 36% في عام 1998 بزيادة 27.5 %.
تشير الإحصاءات إلى أن عدد الوحدات الصناعية التي يزيد عدد عمالها عن عشرة أفراد حوالي 11 ألف وحدة؛ منها 16% في مجال صناعة المواد الغذائية والمشروبات، و15.7% في مجال صناعة النسيج والملابس الجاهزة والجلود. و17.1% في مجال العِدد والآلات والمعدات المعدنية، ويبلغ عدد العمال في الورش التي تستخدم أقل من عشرة أفراد مليون و500 ألف عامل، ومع تشجيع الحكومة الإيرانية للاستثمار الصناعي تم خلال الفترة 1990-1995 إنشاء 8800 مشروع، استطاع توفير أكثر من 227 ألف فرصة عمل. كما قامت الحكومة خلال خطة التنمية الأولى بالاهتمام بالصناعات الثقيلة، فوصل إنتاج الآلات الثقيلة من صفر إلى خمسة آلاف آلة عام 1995، ومن 10 آلاف جرار إلى 20 ألف جرار، وزاد إنتاج صناعة البتروكيماويات من 55.25 ألف طن عام 1989 إلى 107 آلاف طن عام 1995، وزاد إنتاج سيارات الكروب خلال نفس الفترة من 13 ألفًا و600 سيارة إلى 74 ألفًا و800 سيارة، وزاد إنتاج الأسمنت من 12.2 مليون طن إلى 16.9 مليون طن.
أيضًا قطاع المعادن والفلزات قطاع متقدم، بلغ نمو هذا القطاع خلال الفترة من 89-1995 حوالي 32% في مجال الفلزات، و19% في مجال المعادن، وارتفع إنتاج الفلزات من 1.34 مليون طن عام 1989 إلى 4.34 ملايين طن عام 1995 والألومنيوم من 28 ألف طن إلى 111 ألف طن.
تتضح أهمية البترول في الاقتصاد الإيراني من خلال نصيب البترول والغاز في الصادرات الإيرانية؛ حيث بلغ 77.8% من إجمالي صادراتها عام 1998، وتعتبر اليابان من أكبر مستوردي البترول الإيراني.
وفي سنوات الثمانينيات تعرّضت إيران لصدمات البترول بسبب اعتمادها على صادراته، ومن هنا وجد اتجاه في إيران نحو إنقاص الاعتماد على صناعة وتصدير البترول والسعي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل ، ولكن بسبب توافر البترول الخام بكميات كبيرة لم يتحقق اتجاه إيران لإنقاص اعتمادها على إنتاج البترول، ومع ذلك تمكنت إيران من تحقيق مكاسب ملموسة خلال السنوات 96، 97، 1998 حيث زاد نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.4%، 5.2% خلال عامي 97، 1998 ويرجع ذلك لأمرين هما:
وكانت أسعار النفط التي زادت عن المتوقع قد ساعدت الميزانية الحكومية على تجاوز الأرقام المتوقعة لحصيلة النفط وهي 16 مليار دولار بما يقرب من 3 مليارات دولار في 1999. والجدير بالذكر أن إيران تملك نحو 5% من إجمالي احتياطيات العالم.
توفرت في الآونة الأخيرة مجموعة من المؤشرات التي تعكس مدى الانفتاح في الاقتصاد الإيراني نحو الخارج ورغبته في جذب الاستثمارات الخارجية ومن بين هذه المؤشرات :
- إعفاء الماكينات والمواد الأولية المستوردة من قوانين الجمارك.
- جميع الأنشطة الصناعية والتعدينية معفاة من الضرائب لمدة ست سنوات تزيد إلى 10 سنوات في المناطق النائية.
- للمستثمر الحق في إخراج أرباح نشاطه إلى بلده الأصلي.
- حرية التعامل مع البنوك الوطنية والأجنبية.
- توفير بعض المناطق الحرة مثل جزيرة قشم التي تزيد بها الاستثمارات على 150 مليون دولار، ومحافظة هرمزكان، وجزيرة كيش التي تعتبر أكبر مركز تجاري واقتصادي.
- إنشاء محافظتين جديدتين هما: جلستان وخرا سان الجديدة على حدود دول آسيا الوسطى، مما يؤكد توجه إيران للتحول نحو اقتصاد الترانزيت والعمليات الوسطية باستغلال موقع إيران الجغرافي وإمكانياتها الطبيعية والبشرية وتنميتها في هذا الاتجاه من خلال مشروعات مساندة في البنية التحتية مثل توفير المياه والطاقة وإعادة بناء طريق تجارة الحرير القديم.
يعاني الاقتصاد الإيراني من عدة مشاكل شأنه في ذلك شأن العديد من البلاد النامية ومن أبرزها الآتي:
- وصول معدل التضخم إلى نحو 40% في بعض القطاعات.
- البطالة 20% في ظل مجتمع يشكل الشباب دون الـ24 عامًا، أكثر من نصف سكانه (37 مليونًا من أصل 62 مليونًا) حسب إحصاءات عام 1996.
- وصول الديون الخارجية إلى 20.5 مليار دولار.
- يشهد الريال الإيراني تراجعًا في السوق الموازية، فالعملة الوطنية انتقلت خلال سنة من 5000 ريال للدولار الواحد إلى 8500 ريال في نهاية مايو 1999.
- تزايد اعتماد الاقتصاد الإيراني على عوائد النفط بشكل أساسي مما يعرضها لتقلبات اقتصادية حادة تتأثر بالعوامل الخارجية؛ وهو ما جعل الحكومة الإيرانية تلجأ إلى الاحتياطي النقدي في أزمة انخفاض أسعار النفط في عام 1998 إذ تراجعت عوائد البترول من 16.5 مليار دولار إلى نحو 10 مليارات دولار، ولم تجد الحكومة مخرجًا لسد هذا العجز سوى استخدام ما يقرب من نصف الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي.
- بيروقراطية أجهزة الدولة المختصة وضعف إنتاجية المؤسسات المحلية.
حصلت إيران مؤخرا على عضوية مجموعة الـ 15 في ظل الاتجاهات العالمية نحو التكتل والتعاون الإقليمي ومن ثم فإن السؤال المطروح هو ما موقع إيران بين دول تلك المجموعة التي تبلغ 19 دولة نامية (مصر، الجزائر، زيمبابوي، السنغال، نيجيريا، كينيا، الهند، إندونيسيا، ماليزيا، سيريلانكا، الأرجنتين، شيلي، البرازيل، المكسيك، جاميكا، فنزويلا، بيرو، موريتانيا، إيران) ؟؟
تشير الإحصائيات المتوفرة عن اقتصاديات دول المجموعة إلى تبؤ إيران للمرتبة السادسة في معظم المؤشرات الاقتصادية وذلك على النحو التالي:
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران 140 مليار دولار في عام 1996 ، وهو ما يؤهلها للمرتبة السادسة بين دول المجموعة، إذ تحتل البرازيل المرتبة الأولى بناتج محلي إجمالي قدره 688 مليار دولار في نفس العام، ثم الهند بنحو 324 مليار، ثم الأرجنتين 281 مليار دولار، ثم المكسيك 250 مليار دولار، ثم إندونيسيا 198 مليار. ولكن وضع إيران في هذا المؤشر أفضل حالاً من مصر والجزائر وماليزيا وفنزويلا وباقي الدول في المجموعة.
ومن حيث عدد السكان تأتي إيران في المرتبة السادسة بين دول المجموعة بتعداد سكاني قارب 69 مليون نسمة في عام 1998 يتقدمها كل من الهند وإندونيسيا والبرازيل ونيجيريا والمكسيك. وتأتي مصر في المرتبة السابعة بعد إيران من حيث عدد السكان.
من المفارقات أن إيران تحتل أيضًا في المؤشر الثالث (وهو إجمالي الصادرات) المرتبة السادسة بنحو 25 مليار دولار في عام 97، وتأتي في المرتبة الأولى المكسيك بحجم صادرات 95 مليار دولار، ثم ماليزيا في المرتبة الثانية بنحو 78 مليارا، وتتقدم إيران في مجال الصادرات زيمبابوي والأرجنتين وفنزويلا بفارق يقترب من ملياري دولار.
يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في إيران 1780 دولارًا أمريكيًّا حسب إحصائيات عام 1997، وهي تأتي في المرتبة الثانية بين دول المجموعة؛ إذ تتقدمها في هذا المجال الأرجنتين ويبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج القومي الإجمالي 8950 دولارًا أمريكيًّا، ووضع إيران في هذا المجال أفضل من كل من جمايكا والجزائر ومصر.
حسب المؤشر العام للتنمية البشرية المنشور بتقرير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 1999 تأتي إيران في مرتبة متأخرة بين دول مجموعة الـ15؛ حيث احتلت المرتبة العاشرة، وتتقدم المجموعة في هذا المجال شيلي (ترتيبها حسب المؤشر العام للتنمية البشرية 34).
تبلغ مديونية إيران الخارجية 20 مليار دولار أمريكي في عام 1997 وهي بذلك تأتي في المرتبة السادسة من حيث المديونية الخارجية لدول مجموعة الـ15، وتعتبر أقل دول المجموعة من حيث المديونية الخارجية كل من جاميكا والسنغال، إذ تبلغ المديونية الخارجية لكل منهما 4 مليارات دولار في العام نفسه، بينما تعتبر أعلى دول المجموعة في المديونية الخارجية البرازيل بنحو 193 مليار دولار، وتأتي بعدها المكسيك التي تبلغ مديونيتها الخارجية 149 مليار دولار.
بانضمام إيران لمجموعة الـ 15 يتحقق لها عدد من المزايا يمكن إجمالها فيما يلي:
- تعد المجموعة منفذًا لإيران للخروج من عزلتها الدولية التي فرضت عليها بحكم العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمن؛ إذ تضم المجموعة دولاً من قارات ثلاث هي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما أن بعض هذه الدول تعتبر في طليعة الدول النامية.
- تتيح عضوية المجموعة لإيران الاستفادة من الانضمام للمشروعات التي تم الاتفاق على إقامتها من خلال اجتماعات القمة السابقة مثل مشروع الغاز والبتروكيماويات ومشروع الطاقة الجديدة والمتجددة ، ومشروع مركز الجنوب لمعلومات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا ، مشروع منتدى الأعمال والاستثمار، عضوية اتحاد الغرف التجارية والصناعية لمجموعة الـ15.
- عقد مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع دول المجموعة التي اعتبرت مرحلة أولى في إستراتيجية التعاون بين دول المجموعة. خاصة في مجالي منع الازدواج الضريبي وحماية الاستثمارات.
- لم تنضم إيران بعد إلى منظمة التجارة العالمية، وبذلك فإن انضمامها لمجموعة الـ15 يمكنها من التعبير عن رأيها تجاه قضايا التجارة العالمية والنظام التجاري والاقتصادي العالمي العادل من خلال المجموعة.