الرئيسية / إيران / إيران: فرضُ العملة المحلية في التجارة الدولية

إيران: فرضُ العملة المحلية في التجارة الدولية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-05-2016
  • 96
إيران: فرضُ العملة المحلية في التجارة الدولية
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

على ما يبدو أن إيران ستظل تشغل حيزًا لا بأس به من قبل المعنيين بالشأن الإقليمي والدولي، وأن النظر إلي إيران على أنها ستعيش حالة من الاستكانة في كنف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بعد نجاحها في اتفاق رفع العقوبات الاقتصادية، يحتاج إلى إعادة نظر، فقد تسبب موقف إيران في فشل مؤتمر الدول المصدر للنفط بالدوحة، والذي كان يستهدف الوصول إلى تجميد سقف إنتاج النفط، على ما كان عليه في يناير 2015. كما أن إيران تداعب خيال الأسواق الدولية من خلال خلق مصالح اقتصادية، بإعلانها عن عزمها اللجوء للسوق الدولية لإصدار سندات، وكذلك حرصها على الحصول على تصنيف ائتماني من مؤسسات التصنيف الدولية.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كلف مجلس الشورى الإيراني البنك المركزي ومجموعة من وزرات المجموعة الاقتصادية بالعمل على توفير البيئة النقدية المناسبة لعقد اتفاقيات إيران التجارية بالعملة المحلية. وتتبنى إيران منذ فترة تسوية تعاملاتها الخاصة بالنفط باليورو بدلًا عن الدولار، وظهر ذلك جليًا في العقود التي أبرمتها بعد رفع العقوبات الاقتصادية، بخصوص النفط مع شركات فرنسية وأسبانية.

ويستحق قرار مجلس الشورى الإيراني الاهتمام به في ضوء حالة الأخذ والرد مع أمريكا، والتي تضع العديد من العوائق أمام الاندماج التام للجهاز المصرفي الإيراني في منظومة النظام المالي العالمي. وقد يكون مقبولًا أن تسعى إيران لتسوية تعاملاتها الخارجية باليورو، كنوع من استخدام أوراق الضغط في مواجهة السياسة الأمريكية، وبخاصة أنها طلبت الدفع باليورو من دول تنتمي لمنطقة اليورو، ولكن الأمر سوف يختلف تمامًا في حالة تبنيها لتسوية تعاملاتها الخارجية بالعملة المحلية.

وفيما يلي نجيب على تساؤل إمكانية إنفاذ قرار مجلس الشورى الإيراني إلى أرض الواقع، وبخاصة أن الشريك التجاري الأول عالميًا لإيران هي الصين، وثمة محددات أخرى يمكن أن تحد من رغبة إيران في تسوية معاملاتها التجارية بالعملة المحلية.

أولاً: التجارب الدولية السابقة:

بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، اتخذت الصين من قاعدة التخلي عن استخدام الدولار كعملة دولية في تسويات المعاملات الدولية، ورقة للضغط على أمريكا، ودعت في إطار مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والصين، والهند، وجنوب أفريقيا) إلى إجراء التسويات الخاصة بالتجارة البينية بالعملات المحلية، والبعد عن التعامل بالدولار، لما يكتنفه من مشكلات اقتصادية ومالية، وكذلك فعلت الصين مع تجمع الآسيان، ومن غيرهم دول الجوار والمحيط الإقليمي.

وكذلك أعلنت تركيا عن نفس النهج، على أن تتم تسوية التعاملات الخارجية مع دول الجوار في إطار العملات المحلية، ولكن كلا التجربتين لتركيا والصين، لم يُعلن عن نتائجهما بعد، وحتى ما تم من تسويات في إطار العملات المحلية، ظل مجرد قيود دفترية، ولم تفعل في إطارها تبادل حقيقي للعملات المحلية، لا في تجربة البريكس، ولا في التجربة التركية.

وحسب إحصاءات قاعدة بيانات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي لتجمع البريكس يصل إلى ما يزيد عن 16 تريليون دولار، مع نهاية عام 2014، وأن الصين وحدها يزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 10 تريليون دولار، بينما الناتج المحلي لإيران بحدود 425.2 مليار دولار، ويتوقع في ظل أزمة انهيار أسعار النفط أن تظل قيمة الناتج المحلي لإيران محدودة.

وثمة مجموعة من المشكلات في علاقات بعض أعضاء مجموعة البريكس مع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، تجعلها تتخذ هذا الموقف، وإن كان اللجوء إليه تم في إطار سياسي بحت، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إليه على أنه سعى من تلك الدول لتنحية الدولار كعملة رئيسة في التسويات الدولية، وتكوين الاحتياطيات الدولية لدى البنوك المركزية. ولذلك نجد أن روسيا بعد أن فرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عقوبات اقتصادية، اتجهت لقبول تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية مع بعض الدول، كنوع من الحرب الاقتصادية، وبخاصة للدولار الأمريكي.

كما أن الناتج المحلي لتركيا يصل لنحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي لإيران في عام 2014، إذ بلغ 789.4 مليار دولار، واتخذت التجربة التركية مجالًا محدودًا لدول الجوار، ومع ذلك لا زالت السياسة النقدية لكل من إيران ومجموعة البريكس تدور في إطار الارتباط بالدولار، ولا يمكن الفكاك من هذه السياسة في الأجل القصير والمتوسط على الأقل، وبخاصة في ظل التعافي النسبي للاقتصاد الأمريكي خلال عامي 2015 و2016، بينما اقتصاديات مجموعة البريكس في تراجع ملحوظ، بل إن وضع الصين محل كثير من المخاوف، وينذر بتكرار أزمة مالية عالمية جديدة.

ثانياً: تحليل الإمكانيات الإيرانية:

إن الوقوف على أداء إيران الاقتصادي تجاه الخارج يوضح مدى قدرتها على تنفيذ قرار مجلس الشورى الخاص باستخدام العملة المحلية في الاتفاقيات التجارية الخارجية، ويظهر ذلك من خلال معرفة مضمون الميزان الجاري، وكذلك تحليل أداء الصادرات، وطبيعة الشركاء التجاريين لإيران. وفيما يلي نتناول هذه العناصر بالتوضيح:

1ـ فائض ضعيف بالميزان الجاري: لعل بيانات ميزان المدفوعات لإيران تعطي خريطة واضحة لتعاملات إيران مع العالم الخارجي، من خلال بيانات الحساب الجاري الذي يوضح طبيعة علاقات إيران استيرادًا وتصديرًا في السلع والخدمات، ويوضح الجدول التالي أداء الميزان الجاري لإيران خلال الفترة 2010/2011 – 2014/2015 (القيمة بالمليار دولار):

ومن خلال بيانات الجدول عالية، نجد أن الميزان الجاري يحقق فائضًا بلغ حده الأقصى 58.5 مليار دولار، وحده الأدنى 15.8 مليار دولار، ويرجع ذلك التذبذب بشكل كبير إلى أمرين، الأول: الانهيار الحادث في أسعار النفط، والثاني أثر العقوبات الاقتصادية التي عانت منها إيران منذ عام 2012 بشكل كبير، وتم رفعها مع بداية يناير 2016.

الأمر الثاني أن الفائض المتحقق في الميزان الجاري مرجعه إلى الصادرات السلعية، والتي يمثل النفط عمادها، بينما الميزان الخدمي يعاني من عجز دائم خلال فترة المشار إليها، ويعكس الميزان الخدمي أكبر قيمة من العجز عام 2010/2011، بقيمة 10.4 مليار دولار، وقد تراجع هذا العجز إلى 6.985 مليار دولار في عام 2014/2015.

ومن هنا يمكن استنتاج أن موقف إيران سيكون أضعف للوصول إلى تحقيق حالة نجاح في تسوية تعاملاتها التجارية الخارجية بالعملة المحلية، خلال الفترة المقبلة، إذا ما ظل الميزان الخدمي على عجزه الدائم، وكذلك بقاء الأسعار بسوق النفط على وضعها الحالي من الانهيار والتراجع.

ثالثاً: خلل الصادرات السلعية:

تمثل الصادرات السلعية أحد أدوات قياس قوة الاقتصاد، وكلما كانت صادرات الدولة تعتمد على المنتجات الصناعية، كلما كان ذلك أفضل، وتكون الميزة التصديرية مصدر قوة لأي اقتصاد إذا كانت صادراته تعتمد على المعرفة، وتحقق قيمة مضافة عالية. وفيما يلي نشير إلى أداء الصادرات الإيرانية، والدور الكبير للنفط فيها، ويوضح الجدول التالي الصادرات السلعية لإيران خلال الفترة 2010/2011 – 2014/2015 (القيمة بالمليار دولار):

المصدر: تم تجميع بيانات الجدول من ميزان المدفوعات، التقرير السنوي للبنك المركزي الإيراني للعام المالي 2014/2015، جدول 52، ص 74.

يتضح من الجدول عالية، أن الصادرات السلعية لإيران تتركز بشكل رئيس في سلعة رئيسة، وهي النفط، حيث يشكل نسبة تتراوح ما بين 64% و81%، مما يعني أن الميزان التجاري لإيران معرض لتذبذب مستمر يرتبط بتقلبات سوق النفط، وهو ما يضعف رغبة الدول الأخرى في الارتباط بعملة إيران في حالة استخدامها في تسوية التعاملات التجارية.

كما يظهر أداء الصادرات النفطية، بأن القيمة المضافة للصادرات ضعيفة لاعتمادها على سلعة استخراجية وهي النفط، وبقية الصادرات لا تحتوي على مكون عالي التكنولوجيا، وقد أظهرت بيانات البنك الدولي أن صادرات إيران من السلع ذات التكنولوجيا العالية، لا تزيد عن 0.6 مليار دولار، وهي نسبة شديدة الانخفاض مقارنة بإجمالي الصادرات السلعية لإيران.

رابعاً: هيكل الشركاء التجاريين

تبين إحصاءات مؤسسة ترويج التجارة الإيرانية لعام 2014، أن الشركاء التجاريين لإيران يتركزون بشكل رئيس في آسيا، حيث تستحوذ آسيا على 87% من الصادرات الإيرانية، وكذلك 69% من الواردات، مما يعني أن إيران تدور في حلبة آسيوية لتجارتها الخارجية. وأن اتجاهها للتعامل بالعملة المحلية في الاتفاقيات التجارية سيكون ذو أثر محدود في تأثيره على الدولار، حال نجاحها في تنفيذ قرار مجلس الشورى. وإذا نظرنا إلى نصيب الولايات المتحدة الأمريكية من تجارة إيران الخارجية نجده محدود للغاية، بحكم العلاقات السلبية السابقة، وفرض العقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، فأمريكا تمثل 0.3% من صادرات إيران، و2% من وارداتها.

أما موقف الاتحاد الأوروبي، فهو أفضل حالًا، وإن كانت إيران قد طالبت أن تكون تسوية تعاملاتها التجارية مع دول الاتحاد باليورو، وهو عملة دولية لها قبول مماثل للدولار، فتستحوذ أوروبا على 11% من صادرات إيران، وهي في الغالب من النفط، كما تستحوذ أوروبا على حصة قدرها 28% من الواردات الإجمالية لإيران. وسيكون من الصعب على إيران إلزام الاتحاد الأوروبي بقبول الريال الإيراني كوسيط في الاتفاقيات التجارية، وبخاصة أن الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى فإن النفط ليس سلعة احتكارية لإيران، فالسوق العالمي يمكن الاتحاد الأوروبي من استيراد النفط من أكثر من دولة.

بقي أن نشير إلى الشريك التجاري الأول والأكبر لإيران، وهي الصين التي تستحوذ على 27% من الصادرات الإيرانية بنحو 8.2 مليار دولار في عام 2014، كما تستحوذ على 43.8% من إجمالي الواردات الإيرانية بنحو 24.3 مليار دولار. يعكس الميزان التجاري وجود فائض لصالح الصين، فضلًا عن أن الصين تصدر سلع مصنعة لإيران وتستورد منها النفط.

وفي حالة الصين، قد يكون من الصعب قبول العملة المحلية الإيرانية، لمحدودية أداء الاقتصاد الإيراني من جهة، وكذلك ضعف موقف باقي شركائها التجاريين بخلاف دول الاتحاد الأوروبي. ويمكن تلخيص موقف الصين على أنها ليست بحاجة لقبول العملة الصينية لطبيعة العلاقة التجارية التي تظهر قوة موقفها، ومن جهة ثانية فإن العملة الصينية ستكون متاحة لاستخدامها كعملة دولية في سلة الاحتياطيات النقدية بالبنوك المركزية في أكتوبر 2016، بعد أن وافق صندوق النقد الدولي على هذه الخطوة مع نهاية عام 2015.

خلاصة:

أمام هذه الاعتبارات نستطيع القول أن قرار مجلس الشورى الإيراني بتكليف البنك المركزي ووزارات المجموعة الاقتصادية بتهيئة البيئة النقدية للتعامل بالعملة المحلية في الاتفاقيات التجارية الخارجية، هو مجرد ورقة للمناورة السياسية لمواجهة ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن بعض القيود التي تفرضها على الجهاز المصرفي الإيراني.